×
محافظة المنطقة الشرقية

حرارة «الشرقية» تكسر معدلات الـ 50 درجة

صورة الخبر

من الواضح لمن يتعامل مع المحاكم في الوقت الراهن، أن هناك العديد من السلبيات القائمة حاليا، مما لا يتطلب معالجتها إلا بعض الجد والعزيمة، ولا أظنها تتطلب تعديل أنظمة ولا توفير اعتمادات مالية من أسوأ ما يواجه المتخصص في المشاركات الإعلامية التي يدعى إليها، أن يطرح عليه سؤال كبير في موضوع متشعب وواسع، ولا يتاح له من الوقت ما يكفي للتعبير عن رأيه وتوضيح وجهة نظره. وهذا بالضبط ما حدث لي قبل مدة حين دعتني إحدى القنوات الإخبارية للحديث عن رؤية وزارة العدل التي أعلنتها ضمن برنامج التحول الوطني الطموح. إذ ما أن بدأت الحديث عن هذا الموضوع وما زلت في المقدمة حتى اعتذرت المذيعة لضيق الوقت وأنهت المشاركة. وقد أوقعني ذلك في حرج كبير إذ تلقى المشاهدون فكرتي من خلال كلمات يسيرة كنت أتيت بها مقدمة للفكرة وليست هي الفكرة. ولأهمية هذا الموضوع فإنه لابد من إيضاح الفكرة كاملة وتناولها بما يخدم الموضوع ويعضد ما لدى وزارة العدل من توجهات طموحة كلنا أمل أن ترى النور قريبا – بإذن الله -. فقد أعلنت وزارة العدل عن المشاركة بـ 14 مبادرة لتحقيق سبعة أهداف استراتيجية، تستهدف تقديم خدمات عدلية رائدة بأعلى كفاءة وشفافية وبأقل وقت. وقد تناولت كل وسائل الإعلام المحلية تفاصيل هذه المبادرات والأهداف مما لا داعي معه لإعادة سردها هنا، لذا سأكتفي باستعراض أبرز المعوقات التي أخشى أن تؤثر في استكمال تحقيق هذه المبادرات والأهداف، وبعض المقترحات لمعالجة هذه العوائق وذلك على النحو التالي: أولا: حين نتحدث عن المبادرات والأهداف التي أعلنت عنها وزارة العدل، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن مسألة مدى امتلاك الوزارة للوسائل والأدوات التي تستطيع من خلالها تحقيق هذه المبادرات، ذلك أنه بنظرة على ما تضمنه نظام القضاء من اختصاصات وصلاحيات وزارة العدل، نجد أنها مقارنة بما أعلنته من مبادرات وأهداف، تعتبر محدودة جدا، وأن كثيرا من هذه الأهداف والمبادرات لا يمكن استقلال وزارة العدل بتحقيقها ما لم تضمن التعاون التام والكامل من الجهات الأخرى ذات العلاقة، والتي قد تملك أكثر مما تملكه وزارة العدل من صلاحيات ووسائل لتحقيق هذه الأهداف. ولعل أهم جهتين لابد أن تضمن وزارة العدل تعاونهما معها لتحقيق هذه الأهداف هما (المجلس الأعلى للقضاء)، و(وزارة المالية) فالمجلس الأعلى للقضاء هو صاحب السلطة على القضاة فيما يتعلق بتنظيم إجراءات التقاضي، وتوجيه القضاة في كل ما يتعلق بالأعمال القضائية، وسلطة التفتيش على أعمالهم، ومحاسبة المقصر منهم. أما وزارة المالية فهي الجهة الوحيدة التي يمكنها أن تمدّ وزارة العدل بالوظائف اللازمة والاعتمادات المالية الضرورية لإنفاذ ما طرحته وزارة العدل من برامج وأهداف، ولا أدل على ذلك من تعثر مطالبة وزارة العدل بدعم المحاكم بعدد كاف من الباحثين في علم الاجتماع والنفس للاستعانة بهم في قضايا العنف الأسري والأحوال الشخصية، بسبب رفض وزارة المالية لذلك ما حدا بهيئة الخبراء إلى التوصية بإلزام وزارة المالية بتوفير هذا الدعم. كما أن مبادرات مثل (رفع مستوى الخدمات العدلية والقضائية)، و(الحدّ من تدفق الدعاوى إلى المحاكم)، و(رفع مستوى القضاء وإبرازه محليا وعالميا)، و(رفع تصنيف المملكة عالميا في مؤشر إنفاذ العقود).. كل ذلك من الصعب تحقيقه في ظل عدم تقنين أحكام القضاء، والإلزام بمبادئ موحدة تحكم أبرز المسائل التي تعرض على المحاكم. ونحن نرى الآن عدم إقرار مدونة الأحكام التي سبق أن صدر الأمر السامي الكريم بإعدادها. ثانيا: لا يشك من يطلع على هذه المبادرات والأهداف الطموحة، أنه لا يمكن تحقيقها دون مشاركة فاعلة من منسوبي المحاكم من القضاة وأعوان القضاة، إذ هم في المقام الأول من يناط بهم تحقيق هذه الأهداف وتنفيذها فعليا على أرض الواقع، فيجب أن تضمن وزارة العدل اشتراكهم معها في نفس الرؤية والطموح والجدّ. وهذا يدعونا إلى التذكير بما سبق طرحه إعلاميا وفي أكثر من مناسبة، من ضرورة إعادة النظر في الحقوق الوظيفية للقضاة وأعوان القضاة، وأن هذه المرحلة تتطلب ضرورة إقرار، ولو القدر الضروري من هذه الحقوق، بما يكفل الحفاظ على الكفاءات المؤهلة منهم، وضمان عدم تسربهم، واستمرار تفاعلهم وتحفيزهم لتحقيق هذه المنجزات، ومن أهم ذلك حقوق السكن والعلاج وبدلات ومكافآت التميز. ثالثا: من الواضح لمن يتعامل مع المحاكم في الوقت الراهن، أن هناك العديد من السلبيات القائمة حاليا، مما لا يتطلب معالجتها إلا بعض الجد والعزيمة، ولا أظنها تتطلب تعديل أنظمة ولا توفير اعتمادات مالية، وهذه السلبيات مزعجة جدا ومعطّلة للحقوق، وأتمنى على الوزارة الالتفات إليها ببعض الحزم والعزم، وهي كثيرة لا يسع المقام لحصرها؛ لكن على سبيل المثال: تباعد مواعيد الجلسات. والبطء الكبير في الإنجاز، حتى صار رفع القضية من المحكمة العامة في الرياض إلى محكمة الاستئناف يستغرق أحيانا شهرا كاملا، وكذلك الحال في عودة القضية من الاستئناف إلى المحكمة العامة وهما في مدينة واحدة!. ومن ذلك الوقت الذي يستغرقه وصول الإفادة من كتابة العدل إلى المحكمة عند الاستفسار عن حالة صك عقار، ويتوقف على ذلك الحكم في الدعوى. الوقت الطويل الذي تستغرقه قضايا من طبيعتها الاستعجال مثل دعاوى ملاك العقارات للمطالبة بإخلائها من المستأجرين الممتنعين عن السداد أو عن إخلاء العقار بعد نهاية العقد؛ فتكون مدة إيجار العقار سنة، بينما قد تستغرق مدة إخلائه أو سداد أجرته سنتين أو أكثر!!. كثرة الدعاوى التي يتعطل النظر في موضوعها مددا طويلة قد تصل لسنة أو سنتين لمجرد تحديد المحكمة المختصة، وبعض هذه القضايا لها أثر كبير وواضح على اقتصاد المملكة وهي نزاعات المقاولات العقارية الكبرى إذا كان أحد طرفي الدعوى هو مالك العقار، إذ ما زالت مئات القضايا تتوالى على المحاكم من سنوات وفي كل قضية يضطر المدعي إلى الحصول على حكمين بعدم الاختصاص من المحاكم العامة ومن ديوان المظالم، ليصل إلى لجنة تنازع الاختصاص في مجلس القضاء وتقرر المحكمة المختصة، وكلما رفعت دعوى مماثلة احتاجت إلى نفس الاجراءات ونفس الوقت لتحديد الاختصاص!. بينما كان يكفي إصدار تعميم من مجلس القضاء إلى المحاكم بما استقرت عليه قرارات لجنة تنازع الاختصاص، ليتم العمل بموجبها ويوفر على الناس الجهد والوقت المهدر دون جدوى. هذه مجرد أمثلة ومثلها مئات الأمثلة على أن أداء المحاكم يحتاج إلى التفاتة جادة ومعالجة شاملة. ومتى ما تم ذلك فإنه يمكننا أن نأمل بتحقيق مستويات أعلى من الطموحات والتطوير. والحمد لله أولا وآخرا. *محام وقاض سابق بديوان المظالم m.aljathlani@hotmail.com