من لطف الله ورحمته أن جعل مع العسر يسرين، ولم يجعل مع اليسر عسرين، ﴿ فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا ﴾ [الشرح: 5، 6]، قال ابن عباس: يقول الله - تعالى -: خلقت عسرا واحدا بين يسرين، فلن يغلب عسر يسرين. والمراد من اليسرين: يسر الدنيا، وهو ما تيسر من استفتاح البلاد، ويسر الآخرة وهو ثواب الجنة، لقوله - تعالى -: ﴿ قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ﴾ [التوبة: 52]، وهما حسن الظفر وحسن الثواب، فالمراد من قوله: لن يغلب عسر يسرين هذا، وذلك لأن عمر الدنيا بالنسبة إلى يسر الدنيا، ويسر الآخرة كالمغمور القليل. والتنكير في اليــسر يعني التفخــيم، كأنـــه قيل: إن مع اليسر يسرا، إن مع العسر يسرا عظيما، وأي يسر. ومما يليق بهذا الباب من كتاب الله - عز وجل - قوله- تعالى-: ﴿ سيجعل الله بعد عسر يسرا ﴾ [الطلاق: 7]، وقوله- تعالى-: ﴿ وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد ﴾ [الشورى: 28]، وقوله- تعالى-: ﴿ حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ﴾ [يوسف: 110]. ويروى عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لو كان العسر في جحر، لدخل عليه اليسر حتى يخرجه)). وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((عند تناهي الشدة يكون الفرج، وعند تضايق البلاء يكون الرخاء)). وقد اقتضت سنة الله وحكمته أن اليسر يأتي مع التقوى، قال الله - تعالى -: ﴿ ومن يتق الله يجعل له مخرجا ﴾ [الطلاق: 2]، وقال - سبحانه -: ﴿ ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ﴾ [الطلاق: 4]، جاء في تفسير الطبري: ﴿ ومن يتق الله يجعل له مخرجا ﴾ [الطلاق: 2]، قال: نزلت في رجل من أشجع جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مجهود، فسأله فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اتق الله واصبر))، قال: قد فعلت، فأتى قومه، فقالوا: ماذا قال لك؟ قال: قال: ((اتق الله واصبر))، فقلت: قد فعلت حتى قال ذلك ثلاثا، فرجع فإذا هو بابنه كان أسيرا في بني فلان من العرب، فجاء معه بأعنز، فرجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن ابني كان أسيرا في بني فلان، وإنه جاء بأعنز، فطابت لنا؟ قال: ((نعم))، والعكس هو الصحيح، فمع الظلم والإثم يأتي التضييق والعسر، وتأمل قوله - تعالى -: ﴿ فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا ﴾ [النساء: 160]. وقوله - تعالى -: ﴿ وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى ﴾ [الليل: 8 - 10]، قال الزمخشري: فسنخذله ونمنعه الألطاف حتى تكون الطاعة أعسر شيء عليه وأشد كقوله: ﴿ يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ﴾ [الأنعام: 125]، عن أنس: النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب: وإن مع العسر يسرا. عن عبدالله بن جعفر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أردفه خلفه، فقال: ((يا فتى، ألا أهب لك، ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، وأعلم أنه قد جف القلم بما هو كائن، واعلم بأن الخلائق لو أرادوك بشيء لم يردك الله به لم يقدروا عليه، واعلم: أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا)). وتبشير الناس والتيسير عليهم أمر مطلوب، قال ابن كثير: قال الله - تعالى -: ﴿ وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون ﴾ [يوسف: 15]، يقول - تعالى - ذاكرا لطفه ورحمته وعائدته، وإنزاله اليسر في حال العسر: إنه أوحى إلى يوسف في ذلك الحال الضيق، تطييبا لقلبه، وتثبيتا له: إنك لا تحزن مما أنت فيه، فإن لك من ذلك فرجا ومخرجا حسنا، وسينصرك الله عليهم، ويعليك ويرفع درجتك، وستخبرهم بما فعلوا معك من هذا الصنيع. والأمة اليوم تمر بضائقة وأزمة وشدة، ولعل هذا من الابتلاء الذي يوقظ الله به الأمة من غفلتها وتفريطها في تطبيق شريعته، فالتمكين في الأرض يأتي بعد الابتلاء بالشدائد، ولقد كان في قصة يوسف آية وعبرة، فقد ابتلاه الله بالمحن، ثم مكن له في الأرض، وقال معللا ذلك: ﴿ قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ﴾ [يوسف: 90]، فالشدة لا تزيد المؤمن إلا صبرا ورضا، وقوة عزيمة في تحقيق رضا الله في أرضه: ﴿وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين * وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين * فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين﴾ [آل عمران: 146 148].