أوضح بنك الكويت الوطني أنه من المحتمل أن تتبع بريطانيا خطى النرويج، وتتخلى عن عضويتها في الاتحاد الأوروبي مع الحفاظ على حقها في الاستفادة من السوق الأوروبية الموحّدة، ومنه البند الخاص بالخدمات المالية (أو «جواز» الخدمات المالية). وقال البنك إن بريطانيا قد تتمكن من النجاح في المفاوضات، للحصول على شراكة تجارية ثنائية مع دول مجلس التعاون الخليجي في حال خروجها من الاتحاد الاوروبي، الذي فشل ودول مجلس التعاون الخليجي في إبرام اتفاقية ثنائية بينهما منذ سنوات طويلة. وأوضح التقرير أن بعض المحللين يرون أن تراجع الجنيه الإسترليني، سيؤدي إلى زيادة جاذبية الاستثمار الخليجي في بريطانيا، إذ لطالما كانت وجهة استثمارية مهمة وجاذبة لدول مجلس التعاون الخليجي وستظل كذلك، إلا أن المستثمرين سيبتعدون قليلاً حالياً. وقال البنك في تقريره الاقتصادي، إنه من المقرر أن يُجرى الاستفتاء الشعبي البريطاني بشأن اتخاذ قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من عدمه او ما يسمى «بْرَكْسِت» في 23 يونيو الجاري، إذ كان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عن نيته بإجراء الاستفتاء، في حال فوزه في انتخابات العام 2015، نظراً لتزايد الشكاوى في حزبه على السلطة المتزايدة التي يتمتع بها الاتحاد الأوروبي في ما يخص شؤون البريطانيين اليومية. وأضاف التقرير أن المستفيدين من السوق الأوروبية الموحدة، يعفون من الرسوم الجمركية، كما يضمن حرية تنقل السلع والخدمات ورؤوس الاموال والأشخاص. ولفت إلى أن «الجواز» يعطي المؤسسات المالية التي تتواجد في دولة معينة، حق تقديم خدماتها في جميع دول الاتحاد دون الخضوع لأي إجراءات اضافية، منوهاً بأنه تحت النموذج النرويجي سيتحتم على بريطانيا تطبيق قوانين الاتحاد الأوروبي، من دون أن يكون لها رأي في آلية وضع القوانين، كما سيتوجّب عليها المساهمة في بعض الميزانيات الخاصة بمؤسسات الاتحاد الأوروبي التنظيمية. وذكر أن بريطانيا قد لا تتمتع بعد خروجها بأي علاقات خاصة مع دول الاتحاد الأوروبي، وتحديداً إذا فشلت المفاوضات مع الاتحاد خلال السنتين اللتين تعقبان التصويت، في التوصل الى اتفاقية قد ترضي بريطانيا، إذ ستخضع تجارتها الخارجية لاتفاقيات منظمة التجارة الدولية، والتي ستسلب منها خاصية الدخول في نظام السوق الموحدة والاتحاد الجمركي لدول الاتحاد الأوروبي. ونوه بأنه ما بين النموذج الأول والثاني، هناك نموذج ثالث قد يتيح لبريطانيا والاتحاد الأوروبي إيجاد حلول مشتركة، من شأنها الحفاظ على سير الأمور بين الطرفين لما تشغله بريطانيا من مكانة كبيرة في الاتحاد اقتصادياً ومالياً. وتابع أنه في ما يخص الجانب السياسي، فقد يلجأ الاتحاد الأوروبي للتصعيد من أجل ثني أي محاولات من بقية الدول الأعضاء للحاق ببريطانيا، لا سيما وأن عدد الأحزاب والتحركات المعارضة للاتحاد، وجدواه في ازدياد خلال الفترة الاخيرة. وقال البنك في تقريره الاقتصادي، إن العديد من الاستطلاعات التي أجريت بهذا الشأن، تظهر أن عدد المؤيدين من الشعب لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد ازداد خلال الأسابيع الأخيرة مقارنة بالمعارضين منهم، إلا أن معظم البحوث قد بينت أن نسبة احتمال خروج بريطانيا بلغت 30 إلى 40 في المئة. وأضاف التقرير أن طبيعة العلاقات البريطانية مع العالم، وبالأخص مع بقية دول الاتحاد الأوروبي بعد التصويت، ستكون العامل الأساسي الذي ستتحدد من خلاله الآثار المترتبة على خروج بريطانيا، إذ من شأن نتيجة الاستفتاء وطريقة خروج بريطانيا، أن تكون لها تأثيرات اقتصادية لكل من بريطانيا ومنطقة اليورو وبقية أنحاء العالم. التداعيات على بريطانيا أفاد التقرير أنه من المحتمل أن تتسبب فترة ما بعد التصويت، وما سيسودها من شكوك ومخاوف في التأثير على الثقة في المدى القريب، إذ قد تشهد بريطانيا ركوداً خلال النصف الثاني من العام 2016، حسب ما يشير إليه معهد التمويل الدولي، في حين حذر بنك إنكلترا المركزي من فترة ركود متوقعة بعد الخروج من الاتحاد. وبدأت بريطانيا بتسجيل تباطؤ في النشاط الاقتصادي، منذ الإعلان عن إجراء الاستفتاء في فبراير الماضي، ليصل النمو إلى 0.4 في المئة خلال الربع الأول من العام، مقارنة بالربع الأخير من العام 2015، بينما شهد أيضاً مؤشر مديري المشتريات تراجعاً خلال الأشهر الماضية. وقال التقرير إن الجنيه الإسترليني، واجه ضغوطات فور الإعلان عن الاستفتاء، إذ تراجع بواقع 3.5 في المئة مقابل الدولار منذ بداية السنة المالية، وبواقع 6.5 في المئة مقابل اليورو. وأضاف أنه من المحتمل أيضاً أن يتأثر القطاع المالي البريطاني بصورة بالغة، عند خروج بريطانيا من الاتحاد، ولاسيما في حال فشلها أيضاً في الحفاظ على حق «جواز الخدمات المالية»، إذ يتجاوز حالياً عدد شركات الخدمات المالية التي تستخدم تلك الخاصية ألفي شركة، من أجل الدخول للسوق الأوروبية بصورة مباشرة. وبين أنه على المدى القريب، فمن المحتمل أن يؤدي الخروج إلى ارتفاع المخاطر على الأصول البريطانية، وارتفاع تكاليف التمويل (الفائدة) للبنوك البريطانية مبدئياً، إذ ارتفعت تكاليف التمويل للبنوك البريطانية بالدولار مطلع هذا العام إلى أعلى مستوياتها منذ العام 2013، لافتاً إلى أنه من الممكن أن تتأثر البنوك على المدى القريب في حال خفض تصنيفها الائتماني. وتابع أنه على المدى الطويل فيشير البعض إلى أن الموقف التفاوضي للحكومة البريطانية خارج الاتحاد قد يكون ضعيفاً، عند إبرامها أي اتفاقيات تجارية جديدة مع اي دولة ومجموعة دول، ما سيؤثر سلباً على اقتصادها، بينما يشير آخرون إلى قدرة بريطانيا على الحصول على مكانة وأوضاع جيدة في ما يخص تلك المفاوضات، التي إن تحققت فمن شأنها إنعاش النمو على المدى الطويل. نتائج الخروج على «اليورو» نوه التقرير بأنه من المحتمل أن يتسبب خروج بريطانيا المحتمل من الاتحاد الأوروبي، في العديد من التقلبات والضغوطات على منطقة اليورو، إذ من المحتمل أن يتسبب أي ضرر في القطاع المالي البريطاني في تباطؤ نمو النشاط الاقتصادي على منطقة اليورو بشكل عام، بواقع نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، وقد يؤدي ذلك بدوره إلى زيادة الضغوطات على أنظمة أوروبا المالية، التي تعاني بطبيعة الحال أصلاً، مفيداً أنه من الممكن أيضاً أن تتأثر الأسهم الأوروبية بتأثر النمو وتراجعه. وأوضح أن بريطانيا تعد شريكاً تجارياً مهماً وفاعلاً للاتحاد الأوروبي، إذ يشكل إجمالي الصادرات الأوروبية لبريطانيا 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط، ما بين العامين 2010 و2014. وكشف أن بريطانيا تمتلك حصة الأسد من خدمات إدارة الأصول الأوروبية، إذ بلغت حصتها من نشاط السوق الاستثماري 80 و75 في المئة على التوالي، من أصول صناديق الاحتياط. وأشار إلى أن فشل حصول شركات الخدمات المالية البريطانية على ميزة الجواز المالي، قد يتسبب بظهور فرص جديدة لشركات منافسة من بقية دول الاتحاد الأوروبي. المشهد السياسي قال التقرير إنه من المحتمل أن يؤدي خروج بريطانيا إلى مطالبة اسكتلندا بالاستقلال عن بريطانيا، إذ تعتبرعضوية بريطانيا في الاتحاد أحد اهم أسباب فشل الاستفتاء بشأن استقلالية اسكتلندا عن المملكة المتحدة في العام 2014. ورأى العديد في حينه أن فشل الاستفتاء كان بسبب رغبتها بالبقاء في الاتحاد الاوروبي، وقد يؤدي ذلك إلى ظهور سيناريو جديد، وهو أن في حال خروج بريطانياً فعلياً من الاتحاد، سيذهب المؤيدون لاستقلال اسكتلندا من بريطانيا وبقاء عضويتها في الاتحاد، إلى الإلحاح للانفصال من بريطانيا والتوجه للانضمام للاتحاد.