الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وهي أسوأ أزمة اقتصادية عرفها العالم منذ الكساد العالمي الكبير في عشرينات القرن الماضي، وأزمة الديون الأوروبية، أكدتا أن القطاع الصناعي هو الأكثر قدرة وقوة على الوقوف أمام شتى أشكال المصاعب الاقتصادية التي تجتاح العالم. الدول الأوروبية التي تعتمد اقتصاداتها على القطاعات الخدمية مثل إسبانيا والبرتغال واليونان هي التي تعرضت للكثير من المتاعب والقلاقل في حين أن دولاً مثل ألمانيا ذات القاعدة الصناعية التقليدية الراسخة كانت في وضع أفضل. وأثر أزمة عام 2008 قامت العديد من الدول المتطورة اقتصادياً بزيادة إنفاقها ومساعداتها للقطاع الصناعي مركزة على أهمية دور الصناعة في الاقتصاد. بدأت البنوك الاستثمارية متعددة الجنسيات وذات النمو السريع والقطاع المالي العالمي بشكل عام في الانكماش والتقلص في وقت شهدت فيه شركات صناعية كبرى مثل ابل ومثيلاتها نمواً متعاظماً وحققت أرباحا كبيرة.. وهكذا يبدو أن الأزمة الاقتصادية الأخيرة لقنت دولاً مثل الولايات المتحدة وغيرها دروساً مهمة عن مكانة القطاع الصناعي. مقارنة مع القرن العشرين، فإن مساهمة القطاعات الصناعية في إجمالي الناتج المحلي العالمي تسير بوتيرة متناقصة من 27% في عام 1970 إلى 17% عام 2010. لكن هناك الآن توجه عالمي متزايد نحو زيادة وتعزيز قدرات القطاعات الصناعية. قبل الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 كان التركيز العالمي منصباً على القطاعات الخدمية، لكن الأداء الاقتصادي لشركات صناعية كبرى كان متميزاً، رغم الأزمة المالية العالمية، بل إن تلك الشركات نجحت في تحقيق المزيد من النمو إبان تلك الأزمة، وذلك بسبب منتجاتها القوية وتمدد أنشطتها في الدول النامية. ألمانيا رغم درجة نموها السالبة في عام 2003 بسبب التزاماتها الخاصة بالوحدة، إلا أن صادراتها تجاوزت تريليون دولار منذ عام 2011 بسبب صادراتها الصناعية. عودة الروح للقطاعات الصناعية كانت أيضاً بسبب الدور المتزايد للدول النامية في الاقتصاد العالمي. فلأن الدولة النامية تعاني شحاً في احتياجاتها المستمرة من السلع والمنتجات، فقد انعكس ذلك في شكل مزيد من الطلب لهذه الاحتياجات وبالتالي السعي من أجل تلبية ذلك الطلب المتزايد. وكذلك الدور الفعال الذي لعبه القطاع الصناعي التقليدي في النمو لدول النمور الآسيوية. رغم أن تلك الدول كانت دول فقيرة في الموارد الطبيعية والمساحات الأرضية إلا أنها تمكنت من استثمار مواردها المالية والبشرية المحدودة في خلق قطاع صناعي قوي وفعال نجح في قيادة مسيرة النمو والتطور المحلي خلال السبعينات والثمانينات. لعب القطاع الصناعي دوراً محورياً في دعم اقتصادات تلك الدول خلال العقود الأربعة الماضية، حيث كانت تحقق معدلات نمو عالية في حدود 10%. ذلك النوع من التطور الصناعي وضعها بين الدول المتطورة أو الآخذة في التطور الاقتصادي السريع. وفق إحصائيات الأمم المتحدة. ورغم أن أعداد العاملين في القطاعات الصناعية حول العالم في حالة تزايد، إلا أن أكثر فرص العمل والوظائف الجديدة تتركز في الدول النامية، بينما تقل الأعداد بوتيرة منتظمة في الدول المتطورة. ومؤخراً بدأت الأجور في الدول النامية نفسها ترتفع بوتيرة منتظمة، مما خلق الكثير من الإشكالات بالنسبة للقطاعات الصناعية، وهو ما حدا بالشركات في العديد من الدول المتطورة لتقليص استثماراتها في الدول النامية والعودة لقواعدها في بلدانها الأصلية.