يتمنى المرء أن ما يراه، ويسمعه، وما يحيط به من أحداث، إنما هو مجرد كابوس لحلم مزعج ما يلبث، أن يفيق فيرى ما حوله أمناً وسلاماً، ومحبة، ومثل هذه الأماني والخواطر، إنما تأتي نتيجة الاحباط، واليأس، والقنوط، والاحساس بالضياع والعدمية، والعجز عن الفعل أو العمل، حيث يتحول، الإنسان أمام نفسه إلى تمثال في ساحة صاخبة، بأعمال التوحش والجريمة، وقد يتسع خيال الإنسان بسبب معايشته، وقراءاته، للأحداث والتاريخ فيتخيل أحوالاً، وأوضاعاً مأساوية، وجرائم بشعة.. ولكن من المؤكد أنه مهما أوتي من قوة التخيل فإن خياله لن يكون قادراً على أن يتوصل إلى ما أصبح يشاهده في واقعه، إذ إن الواقع وأحداثه تفوقت على التخيل في توقع الشر بكل ألوانه وأشكاله.. فمن ذا الذي كان يتوقع أنه في عالمنا العربي سيكون دم الإنسان أهون، وأرخص من دم البهيمة، وأن يد الطغيان والإجرام ستعبث هذا العبث المنكر باللحم والدم البشري إلى هذه الدرجة من المخازي الاجرامية، والتعري الأخلاقي؟! تلك المخازي التي تدفعها وتسوقها كراهيات، وأحقاد دفينة أخذت تتفجر بكل ألوان الصديد التاريخي العفن، فلم تكتف بقتل الأطفال، والصبايا، وإطفاء الشمس والقمر، بل أخذت ترفع بيارق الثأر من الموتى، لتصل إلى عمالقة التاريخ، وأبطاله، وسيوفه.. فها هي ذاكرة المقت الفارسية تعود إلى الوراء، عبر نفق الكراهية إلى ألف وأربعمائة عام.. إلى قبر قاهر وهازم الفرس الأول خالد بن الوليد، بعد هذا الزمن الموغل في القدم، لولا تلك الأحقاد التي يتوارثها الأحفاد عن الأجداد من علوج فارس ومن والاهم من قطعان التخريف والكراهية.. وعفا الله عن الشاعر نزار قباني فقد كان - رغم ما عليه - تأخذه النخوة العربية، والغيرة الدينية، وكأنه بحس الشاعر يدرك استبطان، واستيطان، مشاعر الكراهية التي تنفثها أفاعي الحقد، والدغالة، فها هو قد كان يتوجس غضب خالد رضي الله عنه مما ستؤول إليه الأمور وكأنه يقرأ صفحات ما ستأتي به الأيام. وقبرُ خالد في حِمصٍ تُلامسهُ فيرجف القبرُ من زواره غضبا يا رب حيٍ رخام القبر مسكنه ورب ميتٍ على أقدامه انتصبا ياابن الوليد ألا سيف تؤجره فكل أسيافنا قد أصبحت خشبا صدقت، فكم من الأحياء وهم في قبورهم، وما أكثر الأموات يسيرون على أقدامهم..!! آه يا نزار لو نهضت من قبرك، ورأيت حال الأعاريب، لو رأيت ما حل بالشام التي تعطل العمل فيها عن الرحمة، وصارت خيول الحقد تخوض إلى أعنّتها في وحول الدم؟ لو رأيت ما الذي يحدث في فلسطين، والعراق وليبيا وتونس، ومصر وبلدان كثيرة، لو رأيت كيف يقتل الأطفال، ويغتال الشيوخ، وتغتال الكلمة، كيف تعسكر الأقلام ويعسكر الإعلام، كيف يشرعن ويقونن الكذب، لو رأيت كيف تختلط سحائب البارود بسحائب الدجل، والنفاق، لو رأيت كيف يتناسل الموت وكوابيس الفجيعة، لو رأيت كيف يقتل الحاضر، والتاريخ..! لو رأيت ذلك كله لصحت بأعلى صوتك: إن كان من قَتلوا التاريخ هم نسبي على العصور فإني أرفض النسبا