×
محافظة المنطقة الشرقية

بلدية قرية العليا تنفذ 26 مشروعاً تنموياً بأكثر من 183 مليون ريال

صورة الخبر

العبارة الأولى التي قيلت لأبي من المحيطين به، كرد فعل على قراري دراسة الباليه في الجامعة، «يا دكتور هذا قرار غريب فبعد تخرجها ماذا ستعمل؟!». لكن والدي، الدكتور عبد السلام القمحاوي، كان مقتنعاً بأن المرء لن يبدع إلا إذا اختار مهنته التي يريد. كان عمري آنذاك 11 سنة، عندما قررت بدعم من معلمتي البريطانية في عمّان، دراسة الباليه التي اعتقدت أنها فكرة يمكن تحقيقها بصورة جدية بدعم من أهلي. وبعد الخوض في العديد من الامتحانات للتأكد من مقدرتي الجسدية وإحساسي الموسيقي الملائمين، تبين أنه لدي فرصة النجاح في فن الباليه. فقبلت في مدرسة داخلية للرقص في بريطانيا، وكان الاتفاق مع والدي أن أتابع دراستي لمدة سنة، للتأكد من أن هذا المجال الذي اخترته هو الصواب. ولكن بعد 3 أشهر ندمت كثيراً على قراري، إذ وجدت نفسي فجأةً من دون أهلي، خصوصاً أنني كنت الطالبة العربية الوحيدة في المدرسة، ومع تعرضي الدائم لمواقف عنصرية ومضايقات لأني غريبة عن بقية الطلبة، لجهة لوني، ولغتي، ولهجتي. وكان الانضباط في المدرسة لا يقل عن انضباط الحياة العسكرية، فكل منا يعتمد كلياً على نفسه في كل شيء. كان رد فعلي على ذلك البكاء الدائم يومياً. وعند عودتي إلى عمّان في العطلة الشتوية، رجوت والدي إلغاء فكرة إكمال دراستي الجامعية هذه، ولكنه أصر مذكراً بالاتفاق بيننا وضرورة احترامه. هكذا عدت إلى بريطانيا مثقلة بهمّ المتابعة لدراسة أحببتها لاحقاً، وغدت كل شيء في حياتي. بعد 10 سنوات تخرجت من الأكاديمية الملكية البريطانية للرقص بتفوق، وهكذا أصبحت وما زلت أول أردنية محترفة لفنون الرقص. وأيقنت الآن أن لهذه الفنون دوراً كبيراً في التواصل بين البشر، فهي لغة عالمية لا تحتاج إلى ثرثرة الكلمات، فنستطيع طرح أي فكرة من خلال محاكاة شعور الإنسان، والأهم من هذا أيضاً تعزيز الهوية الثقافية للشعوب. فمثلاً عند ذكر الجالية الشركسية في الأردن، أول ما يخطر في البال جماليات الرقص الشركسي، ما يعكس أهمية فنون الرقص في ترسيخ الهوية وإعطائها طابعها الخاص المميز. وكما هو معروف فإن فن الباليه هو الأكثر رسوخاً من بين الأنواع المختلفة من فنون الرقص، ويعود ذلك إلى رشاقة الراقصين وجماله البصري، فضلاً عن أنه مُنشأ على قصص خيالية تُبرز في النهاية انتصار الخير على الشر، أو تجسيد لقصص كلاسيكية، كما في باليه «كوبيليا» و «كسارة البندق» التي ترتبط دائماً باحتفالات عيد الميلاد. وللباليه في الأردن جمهور كبير يثابر على حضور عروضه أكثر من أنواع الرقص الأخرى. وقد أُسّست دائرة فنون الرقص في المركز الوطني للثقافة والفنون في مؤسسة الملك الحسين عام 1998 باعتماد من الأكاديمية البريطانية للرقص (وهي الأكاديمية التي تخرجت منها) لتطوير المواهب المحلية. ونجحنا من خلال تأسيس «فرقة مسك للرقص» التي تقترب من الاحتراف، في تمثيل الأردن في مهرجانات دولية منها في البحرين، وفرنسا، واليابان. ولكن حتى الآن لا يوجد فرق محترفة مدعومة مالياً من الدولة كبقية فرق البالية في العالم. ونحاول من خلال تنظيم مهرجان عمان للرقص المعاصر السنوي، تعريف الجمهور الأردني بجماليات وتقنيات الرقص المعاصر الذي يخاطب مفاهيم وأفكاراً مبنية على أحداث وصعوبات تمرّ بها المجتمعات. وعند إنشاء المهرجان قبل 6 سنوات، كان إقبال الجمهور قليلاً، لعدم معرفتهم بالرقص المعاصر ونوع العروض المقدمة من قبل الفرق المشاركة، ولكنه أصبح الآن يحظى بإعجاب الجمهور المحلي والأجنبي. ولا تحظى فنون الرقص في الأردن حتى الآن بالاعتراف بها كمهنة، على رغم التطور الكبير الذي شهدته. فقد كانت تُدرس سابقاً في المدارس كنشاط إضافي، ومن ثم تطورت بشكل ملموس، حيث تزايد عدد المهتمين بالرقص وخصوصاً الباليه والهيب هوب والرقص اللاتيني. ويؤشر لذلك العدد الكبير لمعاهد الرقص. ولكن، لعدم الاعتراف به كمهنة، لا يتابع كثير من الطلبة دراستهم في مجال فنون الرقص إلى درجة الاحتراف، وإنما يفضلون (بناء على رغبة الأهالي وتقاليد المجتمع) دراسة تخصصات مألوفة ومعترف بها رسمياً. وفي اختتام كلماتي هذه، أُحيي والدي الذي كان له الفضل الأكبر في تشجيعي ودعمي خلال فترة دراستي وعملي، على رغم كل الضغوط الأسرية والخارجية، وعلى متابعة مسيرتي الفنية لاحقاً. وهو كان وما زال مثالي الأعلى في تحدي المفاهيم السائدة في المجتمع. ومن جهة أخرى، أتمسك في هذا المقام بمقولتي المفضلة عندي لجلال الدين الرومي: «أرقص عندما تكون جروحك مفتوحة... أرقص عندما تزول الآلام... أرقص في وسط القتال، فالرقص في دمك... ارقص عندما تصبح حراً طليقاً».