×
محافظة المنطقة الشرقية

المملكة تؤكد التزامها بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة

صورة الخبر

المعركة الطويلة حول ترشيح الحزبين الكبيرين في أميركا والتي انتهت لتوها كان أهم ما فيها أنها بلورت تحولات جوهرية كانت تعتمل تحت السطح لفترة طويلة ومرشحة لتغيير وجه الحياة السياسية الأميركية برمتها. فالولايات المتحدة تبدو على أعتاب مرحلة جديدة قد تعاد فيها كتابة معنى السياسة أصلاً. فلا نظام الحزبين سيظل مستقراً كما كان من قبل، ولا طبيعة القوى التي يمثلها كل منهما ستظل مستقرة هي الأخرى، هذا إذا بقي الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي أصلاً. فمعركة الترشيح داخل كل حزب، التي تعرف باسم الحملة التمهيدية، بدأت قبل عامين تقريباً. وكانت تلك الحملة واحدة من أشرس المعارك التمهيدية. صحيح أنه من المتعارف عليه أن يظل المرشحون يتساقطون الواحد تلو الآخر في ذلك السباق حتى يظل في الحلبة واحداً أو اثنين، إلا أن المفارقة كانت في توقعات ذلك السقوط وسرعته. فبينما توقع المراقبون سقوطاً مبكراً ومدوياً لترامب وانفراد هيلاري كلينتون بالساحة مبكراً ما حدث كان العكس تماماً، حيث إن من انفرد بالساحة في حزبه مبكراً كان ترامب، بينما ظل برني ساندرز يناطح هيلاري حتى آخر انتخابات تمهيدية انعقدت في نهاية الأسبوع الماضي. لكن طوال تلك الحملة بدا بوضوح أن هناك انفصالاً بين قيادات الحزب الديمقراطي وقواعده الانتخابية بينما حدث تحول جوهري في القاعدة الانتخابية للحزب الجمهوري. والانتخابات الحالية مجرد لحظة كاشفة لما يجري داخل الحزبين، فتلك التحولات ليست وليدة اللحظة ولا هي بفعل صعود ترامب أو ساندرز كما يحلو لبعض المعلقين أن يقولوا. ففي الولايات المتحدة، لا يكون التغيير فجائياً ولا شاملاً وإنما هو في أغلب الأحيان تدريجي وبطيء.. وأن تكون انتخابات بعينها كاشفة للواقع في الحقيقة ظاهرة يعرفها جيداً علماء السياسة المتخصصون فى النظام السياسى الأميركي، حتى أنهم أعطوا لمثل تلك الانتخابات اسماً، هو الانتخابات الحرجة، أي تلك التي تكشف عن أو تكون الخطوة الأولى نحو تحول جوهري في النظام السياسي. لكن علماء السياسة قصدوا بالتحول الذي يقصدونه حدوث تغيير في التحالفات الانتخابية لأحد الحزبين الكبيرين، أي في طبيعة القوى والجماعات التي تؤيده، فتكون انتخابات حرجة حين تكون إيذاناً بخروج واحدة أو أكثر من تلك الجماعات من أحد الحزبين لتنضم لتحالف الحزب الآخر في الانتخابات العامة. والانتخابات الأميركية هذا العام رغم أنها قد تكشف فعلاً عن تحول من ذلك النوع، إلا أنها بلورت تحولات أخرى لا تقل خطورة. ففيما يتعلق بالتحالف الانتخابي لكل حزب، أي الجماعات والقوى التي تؤيده، تظل حملة برني ساندرز هي الأكثر دلالة. فالفئة القلقة التي كشفت عنها الانتخابات هي فئة الشباب، التي عبر عنهم برني ساندرز ولم تنجح كلينتون رغم فوزها بترشيح الحزب في استقطابهم حتى كتابة هذه السطور. والمفارقة هي أن هؤلاء الشباب مؤهلون لا لأن يتركوا الحزب الديمقراطي لينضموا للحزب الجمهوري وإنما لترك الحزبين معاً! وضيق الشباب بالحزب الديمقراطي ليس وليد اللحظة وإنما ظهر بوضوح فى حملة أوباما الأولى عام 2008، حيث عقدوا عليه آمالهم وأصيبوا بالإحباط لأنه اتبع السياسات نفسها التى يعارضونها فى الداخل والخارج. وقد انضم إليهم الجيل الذي وصل لسن الانتخابات في عهد أوباما فوجدوا معاً مقصدهم في حملة بيرني ساندرز، وهم أكثر تقدمية من الأجيال الأكبر منهم.. ولا يقل عن ذلك التحول في أهميته ما هو حادث في الحزب الجمهوري، الذي شهد تحولات كبرى على مدار العقود الثلاثة الأخيرة ظلت تدفع به مزيداً نحو اليمين الراديكالي والشعبوي. وظل الحزب يخسر قطاعات جديدة من ناخبيه حتى صار في انتخابات 2012 الرئاسية لا يعبر إلا عن البيض الأكبر سناً والأقل تعليماً، فضلاً عن مصالح الشريحة الأكثر ثراء على الإطلاق في المجتمع الأميركي. غير أن تحولات السنوات الثماني لحكم أوباما تحديداً كشفت بوضوح عن أن دائرة ضيقة للغاية من أصحاب المليارات من ذوي الأفكار التى ظلت طويلاً على هامش الساحة السياسية نجحت أخيراً وبعد عقود طويلة من العمل المضني في جعل أفكارها في قلب الساحة السياسية من خلال الحزب الجمهوري بل وعبر تغيير قاعدته الانتخابية. فقد تبين لعدد معتبر من الباحثين الذين أجروا دراسات ميدانية أن حركة حفل الشاي اليمينية، التى بدت أول الأمر حركة شعبية عفوية، كانت ممولة بقوة من جانب أصحاب الأموال الضخمة، وساعد على تنظيمها وجوه سياسية معروفة لم يكن أقلها مكانة الزعيم السابق للأغلبية الجمهورية في مجلس النواب ديك آرمي. ودون حركة حفل الشاي وما أرسته من أفكار شديدة التطرف، ما كان من الممكن لدونالد ترامب أن يظل يصعد حتى حصل على ترشيح الحزب الجمهوري. وتظل ما تسفر عنه الحملة النهائية للانتخابات بين الحزبين لتضيف هي الأخرى لمجمل ما قد تواجهه الولايات المتحدة من تحولات طويلة الأجل.