القاهرة:الخليج كان من المفترض أن يكون هذا الكتاب نسخة منقحة من كتاب عباءة جديدة وخنجر قديم الذي وضعته منذ ستة أعوام والذي وصفه البروفيسور كريستوفر أندرو على نحو بالغ السخاء، بأنه أفضل دراسة مسحية حديثة للاستخبارات البريطانية، ولكن منذ ذلك الحين تدفق فيض من المعلومات عن الجواسيس البريطانيين إلى الساحة العامة من خلال مكتب السجلات العامة، ونتيجة للتسريبات الرسمية وغير الرسمية، فإن الأمر تطلب وضع كتاب جديد تماماً، وبصرف النظر عن كم المعلومات الجديدة الواردة في الكتاب لعبة التجسس هناك اختلاف كبير عن سابقه. هكذا يقدم مايكل سميث لكتابه لعبة التجسس الذي يتناول التاريخ السري للجاسوسية البريطانية، وقد صدرت الترجمة العربية للكتاب عن المركز القومي للترجمة لناصر عفيفي، الذي يؤكد أن أجهزة الاستخبارات تلعب من خلال عمليات جمع المعلومات، إضافة إلى أنشطتها الأخرى، دوراً بالغا في السلم والحرب، ففي وقت السلم تؤدي إلى التعرف إلى ظروف الدول المجاورة ومواقفها في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية، بهدف الوقوف على مدى استعدادها للحرب أو شن العدوان، إضافة إلى العديد من المكاسب الأخرى، التي يتمثل أهمها في المنافع الاقتصادية. أما في زمن الحرب، كما يوضح المترجم، فهي تقوم بدور بالغ الخطورة، وتكون عاملاً حاسماً في تحقيق النصر، إما من خلال الحصول على معلومات دقيقة عن تسليح العدو وخططه العسكرية، ومواقع قواته، وشبكات اتصالاته، أو منع العدو من الحصول على هذه المعلومات، أو القيام بخداع العدو من خلال دس معلومات وهمية، تهدف إلى تضليله.يقدم الكتاب تاريخاً وافياً ومفصلاً لأجهزة الاستخبارات البريطانية على مر العصور، من حيث نشأتها وتطورها ودورها في المراحل المختلفة، ومن أبرز هذه المراحل دورها في التعامل مع المشكلة الإيرلندية، وعمليات الجيش الجمهوري الإيرلندي، متضمنا دورها في تحقيق السلام أيضاً من خلال إنشاء قناة سرية للمباحثات. إضافة إلى دورها خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، ودورها الحاسم في انتصار الحلفاء على قوات المحور، في ما عرف باسم يوم الحسم، وأخيراً الدور الذي لعبته في حرب الخليج والحرب على العراق، وإساءة استخدام المعلومات الاستخبارية من قبل الساسة من أجل تحقيق طموحاتهم السياسية. كما يتطرق الكتاب إلى دور أجهزة الاستخبارات في جمع المعلومات الاقتصادية في فترة ما بعد انتهاء الحرب الباردة، لما لها من أهمية قصوى في حسم المنافسة المستمرة بين الشركات العالمية لاقتناص الصفقات الكبرى، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعصف بالعالم. ويعرض الكتاب المنظور الأخلاقي للتجسس وكيفية تطوره على مدار التاريخ، حيث كان ينظر إليه في البداية باعتباره عملاً شائناً يثير الاشمئزاز ويتناقض مع الأخلاق والمثل العليا، ولكن مع تطور الأحداث وزيادة الوعي بأهمية المعلومات التي تحصل عليها أجهزة الاستخبارات ودورها في حماية الوطن، تغيرت الرؤية العامة لهذه المهنة، ووجدت الكثير من التعاطف من الجماهير.ويوضح الكتاب أن أجهزة الاستخبارات كانت تعتمد في مراحلها الأولى اعتماداً كاملاً على العنصر البشري لجمع المعلومات ومراقبة المشتبه فيهم، ولكن مع ظهور الكثير من الوسائل التكنولوجية تزايد الاعتماد على الاستخبارات غير البشرية أو الآلية التي تستخدم الأجهزة والمعدات لجمع المعلومات، وعلى الرغم من المزايا العديدة لاستخدام وسائل التكنولوجيا في جمع المعلومات، فقد ثبت أنها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تغني عن الاستخبارات البشرية، وتقدم هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول مثالاً حياً على ذلك، حيث إن الوسائل التكنولوجية المتقدمة لم تفلح في التقاط أي معلومات جوهرية تسهم في التعرف إلى المخطط الإرهابي قبل تنفيذه، وإحباط تلك العملية غير المسبوقة على مدى التاريخ، وقد دفعت هذه الأحداث أجهزة الاستخبارات والحكومات إلى إعادة التركيز على العنصر البشري مرة أخرى، إلى جانب تأكيد التعاون الوثيق بين الأجهزة من أجل التنسيق بين الاستخبارات البشرية والآلية، باعتبار أنهما متكاملان.