«ميني داعش» برنامج مقالب يعده ويقدمه الممثل المصري خالد عليش، ويخرجه محمد هشام الرشيدي، بدأت فضائية «النهار» المصرية بعرضه أول أيام شهر رمضان. اختار هذا البرنامج أن يقدم ضحاياه عن طريق الإيقاع بهم عبر خدعة بسيطة ومركبة، فقبل شهرين من انطلاق عملية تصويره تم الإعلان عن تصوير فيلم سينمائي، وإجراء الكاستنغ الخاص به في فيلا في منطقة العباسية، وهو إعلان موجه إلى الممثلين والحرفيين وصغار الكسبة، كما جاء في الحلقة الأولى. يمكن الكتابة كثيراً عن هذا البرنامج. ربما أكثر مما يتصوره القائمون عليه. ليس بعيداً عن هذا الفهم يمكن الإطاحة بمسلمات نشأت مع هذا التنظيم الإرهابي. يقدم البرنامج بعض هذه الخدمات المجانية، ربما عن دون قصد. ليس استثمار الضحايا في بقعة تهريجية خطرة هي العنوان الذي تقصده هذه الكلمات. الأكيد أن هذه المحاكاة التلفزيونية العنيفة التي يقدم عليها برنامج «ميني داعش» تجيء من البعيد، وتمضي إلى ما هو أبعد نفسياً واجتماعياً– ثمة صدمة استهدافية إن جاز التعبير تكمن في إدارة هذا الوعي الذي يقف وراء إنتاجه. ليس الحديث عن إحداث شرخ بين المنتج والمتلقي هو كل شيء. هناك إعادة تدبير للوعي المرافق في إعادة إنتاج فكر هذا التنظيم الإرهابي والترويج المبطن عن طريق العبث مع الضحايا بطريق الكوميديا، وكأن فعل التطهر يفعل فعله هنا بطريقة مقلوبة، وهذا يساهم في شكل أو في آخر بتمرير هذا الفكر عبر تسطيحه، ليس في عقول الضحايا فقط، وإنما في عقول المتفرجين. ينجح القائمون على العمل في إعادة إنتاج صورة مصغرة عن تنظيم داعش في برنامج كوميدي عنيف. ربما هو الأكثر وحشية من بين كل البرامج التي ادعت لنفسها عن طريق تدوير برامج الكاميرا الخفية على الفضائيات العربية عبر تاريخها المحفوف بالسخرية المنظمة من الكائن البشري. ما يُشاهد هنا هو إعادة تكرير تلك الكوابيس التي عبر منها المتلقي في وعي مجتزأ وناقص إلى صورة كلية مقترحة عليه، وليس بإمكانه القفز عنها، سواء أجادت بها نشرات الأخبار التي لم تقصر إطلاقاً في عمليات النقل المجاني لارتكابات هذا التنظيم الإرهابي الدموي، أم جاءت عبر إعادة محاكاة أعماله في برامج درامية يقوم عليها ممثلون ومخرجون، وكأن في هذا «التصغير» يكمن بيت القصيد، فهناك من يعيد إنتاج أضغاث الأحلام كلها بمنحنيين: الأول ويكمن في الدعوة إلى بناء دولة الخلافة التي نشأ من أجلها تنظيم «داعش» كما هو معلن على الأقل، والثاني وهو الأمر الأكثر خطورة هنا، إذ تنتقل أفكار هذا التنظيم الإجرامي من الجغرافيا إلى النفوس، أي أنها تستوطن في النقاط الأكثر تعقيداً لدى المتلقي في سياق عمليات الاستهداف التي يتعرض لها في الحالين. قد يبدو الأمر على شيء من المبالغة، ولكن مجرد معاينة حلقتين من هذا البرنامج الكابوسي تودي إلى هذا الفهم. في الحلقة الأولى سيشاهد المتفرج المعني بمتابعته الممثلة المصرية هبة مجدي، وهي تستدرج إلى بيت للمسنين بغية المساعدة في توزيع الفرح عليهم وإسعادهم. ثمة سيارة فارهة تقتادها إلى فيلا داعش. وهناك كاميرات مثبتة في السيارة، وفي الفيلا، يمكنها أن تكون العين الجائرة التي ستقتنص كل لحظة إنسانية لدى الممثلة ولدى المشاهد في آن وتجهز عليهما عن طريق إعادة إنتاج الرعب النفسي الذي روج له هذا التنظيم في اللحظات الواقعية. تقع هبة مجدي فريسة أبو فيحاء المزعوم والريحاني، وتحدث لها الصدمة الاستهدافية عن طريق إيهامها بقتل مضيفتها فزعاً واضحاً يودي بها إلى انهيار كلي أمام هذه الكاميرات المثبتة في أطراف المكان وفي سقفه، أما التهريج هنا فيفقد إحدى أهم صفاته، إذ يتحول إلى محاكاة مصغرة لأفعال «داعش» بالتبني. ليس هذا ما يمكن الاستدلال عليه من هذا التصغير الدرامي، فالرعب الذي تعيشه هذه الممثلة الشابة انتقل بها إلى حالة من الذهول لم يكن ممكناً لها أن تتجاوزها بسهولة، وهو الأمر الذي دفع ببعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي في معرض تعليقاتهم على الحلقة الأولى من هذا البرنامج إلى المطالبة بالملاحقة القضائية للقائمين عليه، والتذكير بميثاق الشرف الذي يقوم عليه البث الفضائي العربي الغائب هنا بامتياز. ليس وضع النجار المصري الشاب أحمد الذي يستدرج إلى كمين داعش بغية إصلاح بعض الأبواب بأفضل حال من هبة مجدي. ربما كان أسوأ بكثير في تلقيه هذه الصدمة الاستهدافية التي أحدثها «إرهابيو» التنظيم المفترضون في عقله وروحه. كان رد فعله مؤلماً. وجاء انهياره أقسى وفي حالته أيضاً وقع فريسة أبو فيحاء والريحاني. يخطئ القائمون على البرنامج في تسويغ أعمال هذا التنظيم. ما ينقص هو المحاكمات العقلية لها. أما ما يفعله عبر التنكيل النفسي بضحايا واقعيين فهو أمر أشد فداحة من أعماله الإجرامية على الضفة الأخرى، وهو هنا يضع البث الفضائي العربي أمام امتحان عسير، أقل ما يقال فيه لمروجيه: أوقفوا هذا البرنامج الإرهابي، ولتتم محاسبة القائمين عليه عبر القضاء.