لا شك أن الرؤية السعودية 2030م وبرامجها التنفيذية ومنها برنامج التحول الوطني 2020م تعد قفزة كبيرة في منهجية عمل القيادة العليا للدولة والإدارة الاستراتيجية للحكومة، وذلك لأسباب عديدة من أهمها المستوى المرتفع للشفافية والوضوح ووضع معايير للأداء والمساءلة وإشراك المواطن والإعلام في الرقابة على التنفيذ، وأشير هنا إلى إدراج البرنامج قيم المعايير الإقليمية والعالمية لمقارنتها بالقيم المستهدفة في البرنامج مما يعكس الثقة في تحقيقها. ومن هذا المنطلق ومن دافع مهني بحت، أسرد فيما يلي بعضاً من ملاحظاتي عن قراءتي لوثيقة التحول الوطني 2020م، مع الأخذ بالاعتبار أن أي خطة مهما كان الجهد المبذول فيها تظل محل التدقيق والتطوير المستمر، وآمل أن يسهم هذا المقال في محتوى التحديث القادم لخطة برنامج التحول الوطني 2020م. 1. يلاحظ القارئ وجود تباين كبير في بعض طموحات الوزارات وأهدافها التي تضمنتها وثيقة البرنامج، فهناك وزارات بالغت في تضخيم أهدافها التي تسعى لتحقيقها خلال فترة البرنامج (4) سنوات، في حين أن هناك وزارات أخرى بالغت في التحفظ وتقليص المطلوب منها خلال نفس الفترة، فمثلا الهدف الأول لوزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية يتضمن رفع قيمة صادرات السلع غير النفطية من (185) مليار ريال إلى (330) مليار ريال أي بنسبة زيادة (78 %)، في حين أن الهدف الخامس عشر لوزارة البيئة والمياه والزراعة يتضمن رفع نسبة تغطية خدمات الصرف الصحي للسكان من 60 % إلى 65 % فقط أي بنسبة زيادة لا تتعدى (1 %) في حين أن المعدل العالمي لتغطية خدمات الصرف الصحي للسكان يبلغ (98 %). 2. على الرغم من وضع الاستثمار ركيزة أساسية في إيرادات الدولة ضمن ركائز الرؤية 2030م ، إلا أن البرنامج خلا من توضيح توقعات نتائج إعادة هيكلة صندوق الاستثمارات العامة وأثرها المتوقع على إيرادات الحكومة وأهدافها المالية والاقتصادية بما في ذلك خطة تحول شركة أرامكو السعودية إلى شركة مساهمة عامة واستثمار إيرادات 5 % من رأس مالها الذي سيطرح للاكتتاب ويمكن تفسير ذلك بعدم الانتهاء من برنامج إعادة هيكلة الصندوق ووضع أهدافه الاستثمارية، ولذلك نتوقع أن يتضمن تحديث خطة برنامج التحول الوطني قريبا مدخلات الصندوق عند الانتهاء من إعدادها. 3. نقلت الصحف تأكيد معالي وزير المالية في المؤتمر الصحفي عن البرنامج على انه لا يوجد توجه للدولة لفرض ضرائب من أي نوع على المواطن، وان ضريبة دخل الوافد لا تزال مجرد فكرة تحت الدراسة، ولكن نلاحظ أن الهدف الاستراتيجي الثاني للوزارة يتضمن رفع قيمة الإيرادات غير النفطية من (163) مليار ريال إلى (530) مليار في العام 2020م ، ومن المعلوم أن أهم إيرادات غير ريعية لأي دولة في العالم هي الضرائب والرسوم، ولذلك فإن توفير هذه الزيادة الهائلة في الإيرادات غير النفطية للحكومة وقدرها (367) مليار ريال يستلزم بالضرورة فرض ضرائب بغض النظر عن مسماها أو شكلها أو آثارها الإيجابية والسلبية على معيشة المواطن ونمو القطاع الخاص، ويؤكد ذلك تضمن وثيقة البرنامج ثلاث مبادرات لوزارة المالية إحداها لإعداد وتطبيق ضريبة الدخل الموحدة، وأخرى لإعداد وتطبيق ضريبة الدخل على المقيمين والثالثة مبادرة «تطبيق إصلاحات ضريبية». 4. يتضمن الهدف الثامن لوزارة العمل توفير حوالي مليون ومائتي الف فرصة عمل إضافية لائقة متاحة للسعوديين والسعوديات في القطاع الخاص حتى العام 2020م، وهو رقم كبير جدا مقارنة بما تضمنته مقدمة البرنامج من استهداف البرنامج توفير حوالي (450) ألف وظيفة عمل في القطاعات غير الحكومية بحلول العام 2020م، والاختلاف بين الرقمين كبير جدا بما يتطلب توضيحه من الجهة المصدرة للوثيقة. 5. يتضمن الهدف الاستراتيجي الثامن لوزارة العمل تخفيض معدل تكلفة توظيف السعودي مقارنة بالوافد من 400 % حاليا إلى 280 % في العام 2020م ، ويحتاج المراقب معرفة كيف ستحقق الوزارة هذا الهدف، هل هو بتخفيض تكلفة السعودي أو برفع تكلفة الوافد أو بخليط منها، وهل تشمل تكلفة توظيف الوافد تكلفة العمالة المنزلية التي لا يوجد لها مقابل في تكلفة توظيف السعودي؟ واثر ذلك على التضخم ورفاهية المواطن، وهذا ما يتوقع معرفته في نشرات رصد أداء البرنامج الذي تضمنت الوثيقة وعدا بتوفيرها للعموم خلال فترة البرنامج. 6. سجلت رؤية 2030م أن من أهدافها رفع مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي من 20 % إلى 35 %، وبناء عليه تعهدت وزارة التجارة والاستثمار في برنامج التحول الوطني 2020م بالبدء في رفع هذه النسبة من 20 % إلى 21 % فقط وهو هدف ضئيل جدا لا يعكس رغبة نحو تفعيل قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد أو إدراكاً بأهميتها في صنع اقتصاد حقيقي غير ريعي، ويؤكد ضعف هذه الرغبة أن كلا من هدف الرؤية والبرنامج أقل من المعيار العالمي والاقليمي الذين يبلغان على التوالي 51 % و36 %، الا أنه من ناحية أخرى فإن مبادرات الوزارة نحو تطوير هذه المنشآت ودعمها بلغت (10) مبادرات من إجمالي عدد مبادرات الوزارة البالغة (38) مبادرة، وبقيمة إجمالية حوالي (1.5) مليار ريال تمثل حوالي (35 %) من إجمالي تكلفة مبادرات الوزارة البالغة حوالي (4.3) مليار ريال، هذا عدا المبادرات المتعلقة بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة في وزارات أخرى مثل وزارة تقنية المعلومات، وفي ذلك تناقض بين ضآلة الأهداف المعلنة في المؤشرات وعدد وتكلفة المبادرات الرامية لتحقيق هذه الأهداف، أو أن الوزارة تعمدت التحفظ المبالغ فيه في تحديد هدفها بما يعكس عدم ثقتها في نتائج مبادراتها المذكورة. 7. بالنظر إلى أهمية قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في صنع اقتصاد حقيقي طبيعي غير ريعي، فإنه من المهم أن توضح وثيقة البرنامج تعريف المنشآت الصغيرة والمتوسطة الذي اعتمدت عليه الوزارات المعنية في صياغة أهدافها ومبادراتها ذات الصلة، ويلاحظ في هذا الإطار خلو مبادرات وزارة التجارة من إنشاء وتفعيل هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة وهي الجهة المفترض أن تتولى التعريف وتنفيذ وتفعيل مبادرات الوزارة المتعلقة بهذا القطاع، ومن ناحية أخرى، اقترح إضافة مؤشر عن نسبة تمويل البنوك للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، حيث أوضحت تقارير سابقة ضعف هذه النسبة الناتج عن إهمال البنوك لهذه المنشآت بحكم المخاطر المرتبطة بها، وأرى أن المعيار الأمثل لقياس نجاح الوزارة في دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة هو معيار معدل استمرار وبقاء المشاريع الجديدة لمدة 3 سنوات الذي توضح وثيقة البرنامج أنه ما زال تحت الاحتساب والدراسة ، في حين أن المعيار العالمي هو 82 % من المشاريع الجديدة تظل قائمة لمدة 3 سنوات وأكثر. 8. على الرغم من كمية البيانات والإفصاح المتوافرة في وثيقة البرنامج، الا أن عناوين بعض المبادرات يحتاج كثيرًا من الشرح والتوضيح والتبرير للمبالغ المرصودة لها بما لا يتناسب مع مسماها، فمثلاً مبادرة وزارة التجارة والاستثمار لتحسين ترتيب المملكة في مؤشر «صنع في السعودية» بقيمة 50 مليون ريال، وحسب ما بحثت عنه فإنه لا يوجد مؤشر بهذا المسمى، وعنوانه يوحي أنه مؤشر خاص بالسعودية يفترض أن تتسابق فيه المصانع السعودية مع بعضها البعض، فكيف يتم تحسين ترتيب المملكة في هذا المؤشر؟ والمبادرة الأخرى هي مبادرة وزارة التعليم نحو «تطوير منظومة متكاملة للمهارات الشخصية المؤدية للنجاح في الحياة العامة والعملية، وتضمينها في المناهج والأنشطة غير الصفية» بتكلفة (959) مليون ريال، وهي برأيي تكلفة مبالغ فيها ولا يتضح لنا الأصول المادية أو المعنوية الناتجة عنها، فما يفهم من عنوان المبادرة هو جمع وتبويب مهارات شخصية متوفرة وتقدم حاليا في الكثير من دورات تطوير الذات، ومن ثم طباعتها ضمن المناهج، فهل هذه التكلفة تشمل إعادة طباعة المناهج؟ وكيف يمكن فصل هذه التكلفة عن التكلفة التشغيلية الاعتيادية للوزارة في طبع مناهجها وتوزيعها؟ وهناك أيضا مبادرة وزارة الإسكان لإنشاء برنامج ادخاري للمواطنين بتكلفة (20) مليار ريال، فهل سيرصد هذا المبلغ لتقديم قروض للمدخرين لشراء مساكن، أم أنه منحة من الدولة تقدمها كدفعة ادخارية للمواطن تضاف إلى اشتراكاته في الصندوق؟ أما إذا كان القصد من مبلغ الـ(20) مليار ريال أنه المستهدف من أموال الاشتراكات المجمعة في الصندوق خلال الفترة إلى العام 2020م ، فهذه ليست تكلفة على الدولة وإنما اشتراكات البرنامج المدفوعة من المواطنين المشتركين بالبرنامج، ولا يجب ان تدخل ضمن تكلفة المبادرات. 9. خلت مؤشرات وزارة الاقتصاد والتخطيط من مؤشرات اقتصادية مهمة مثل مؤشر التضخم ومؤشر الناتج المحلي الإجمالي ومؤشر نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ومؤشر العجز في الميزانية وغيرها من المؤشرات العامة والمشتركة مع دول العالم، وتوافر هذه المؤشرات العامة يمكن من مقارنتها مع دول العام ومع قيمها الأساسية الحالية المتوافرة على منصات جهات مختصة أخرى غير وثيقة البرنامج. 10. مؤشر إجمالي العوائد المالي من مشاريخ الخصخصة ضمن مؤشرات وزارة الاقتصاد والتخطيط ما زال جارياً احتسابه ودراسته، واعتقد أنه على الرغم من أهمية معرفة قيمة هذه العوائد إلا أنه من المهم معرفة المعايير التي سيتم بناء عليها التخصيص لمعرفة مدى نجاح الحكومة في برنامج التخصيص وتحقيق أهدافه، فكان بالإمكان تضمين مؤشر لقياس مكرر قيمة الخصخصة إلى القيمة الدفترية او التكلفة للخدمات، أو نسبة ضريبة الملكية (Royalty) التي ستطلبها الحكومة من التخصيص، أو نسبة ارتفاع جودة الخدمات بعد التخصيص، ويبدو أن برنامج التخصيص كبير جدا بحيث يحتاج وقتاً كافياً لاعداده قبل تضمينه خطة التحول الوطني، وحينها نتوقع ان تضاف هذه المؤشرات المقترحة. 11. تضمن الهدف الاستراتيجي الثالث لوزارة الخدمة المدنية معيارين يتعلقان بتخفيض الانفاق على الرواتب الحكومية وتخفيض عدد العاملين في الخدمة المدنية، فهل سنرى مبادرة من الوزارة لمنح الشيك الذهبي لمن يغادر العمل الحكومي طوعيا، كما تفعل الشركات في القطاع الخاص؟ فهذه المبادرة إن حصلت سترفع مستوى الكفاءة والفعالية في إنتاجية الموظف الحكومي، إضافة إلى آثارها الاقتصادية الإيجابية العديدة من أهمها تفرغ الكثير من الموظفين المتسترين لأعمالهم الخاصة ورفع مستوى إنتاجيتهم في الاقتصاد الوطني. وفي الأخير، أكرر أن قراءتي السريعة لوثيقة برنامج التحول الوطني تؤكد على وجود مهنية عالية في إعدادها ورغبة صادقة لدى القيادة العليا للدولة والمسؤولين عن تنفيذ محتواها نحو تحقيق تغيير حقيقي في الاقتصاد بما يحقق الهدف العام للدولة في استمرار الرخاء والرفاهية للمواطن بأفضل المعايير الممكنة، ويأتي تسجيل الملاحظات السابقة ضمن سياق الشفافية والإفصاح والرقابة العامة الذين تضمنتهم ركائز الرؤية السعودية 2030م وبرنامجها للتحول الوطني 2020م، وبالله التوفيق.