رمضان آخر يمر على البلدان العربية وعدد منها تشتعل فيها نيران الحروب. تمطر فيه قذائف المدافع المسعورة، وتُسقط الطائرات قنابلها وبراميلها المتفجرة؛ فتهوي البنايات على سكانها العُزّل المذعورين من الأطفال والنساء والشيوخ. محنة البرآء هؤلاء أنهم كانوا في ساحات المعارك وفي مرمى آليات الحديد والنار المتجبرة. تشرد منهم من تشرد في أقطار العالم الوسيع، فغرق منهم من غرق، وذلّ الناجون منهم أمام الأسوار الشائكة، والحراسات المشددة القائم عليها من الحراس الغلاظ، والكلاب الشرسة. ثم تفرقوا.. فمن كان حظّه تخطي الأسوار والدخول إلى الحياة والمدنية والنجاة، عاش مذموماً مهاناً في الأرض الغريبة، في القارة العجوز، والديمقراطيات التي تُميّز بين الأصل والوافد، وبين اللون والمعتقد، في مجتمعات تعيش حالة من الرّهاب «الإسلاموفوبي» الشديد العاجز عن تقبّل كل مجهول قادم يحمل عقيدة؛ من ممارسات بعض معتنقيها فصل الرؤوس عن أجسادها، وتفجير القطارات والمطارات والمطاعم، وإثارة الرعب في الأرض والجو والبحر. أما أولئك البرآء الضعفاء الماكثون في ديارهم، ففي كل يوم يواجهون الموت مرّات عديدة. يفقدون الأحباب والأقارب، والبيوت والمزارع، والأمان والأمل. وفي كل يوم يواجهون فئة جديدة تُنكّل بهم، وتغزو ديارهم. وهم بين تعاقب الغزاة والفاتحين وقودٌ للحرب التي سقطوا بين ميادينها، ودمرتهم نيرانها، وعذَّبتهم صلافتها ومآسيها. كيف تأتي فرصة الفرار لهم من ذلك الجحيم الكاسح، واللهيب الساقط، والعنف الجائر، والجوع الكافر؛ وما عندهم من حيلة أو تدبير؟. يا لعنف ما تجيء به الأيام، ويا لبشاعة ابن آدم عندما يفقد إنسانيته، فينقلب إلى بركان من نار، وغل وفجور ودمار. حتى أولئك المواطنون الذين هبّوا لينقذوا البلاد والعباد، نراهم يتحولون إلى وحوش بشرية تفتك بالمستضعفين العُزّل، وتغمس تاج الشهامة والنخوة في مستنقعات المذهبية والطائفية والحقد والضلال. سلاماً سيد الشهور وسيد الانتصارات والفتوحات الكبرى. لقد جئتنا في هذا العام ونحن العرب في الدرك الأسفل من الشقاق والعنف والهوان. سلاماً شهر القرآن والتعاطف والعز الرفيع. نخجل أن تمر علينا اليوم حاملاً النور والبركات، بينما نحن في هذا المستنقع الآثم الوخيم. m.mashat@gmail.com