شرعت في آخر مقال بوضع سلّم للتطرف يتدرج بين أقصى وأدنى درجات التشدد والتطرف والأفكار العنيفة.. وحتى كتابتي لهذا المقال لم أكن أعرف فعلا عدد الدرجات التي قد يتضمنها سلم التطرف حتى انتهيت بشكل طبيعي وسلس الى (ثماني درجات).. وفي آخر مقال استعرضت أول ثلاث منها حيث أتت في المقدمة فئة (دعاة الفتنة) بسبب دورهم التحريضي وعملهم كمحاضن لتفريخ العنف والتطرف.. وفي المركز الثاني أتت فئة (المنفذين) الذين يطبقون أفكار الفئة السابقة على أرض الواقع.. أما المركز الثالث فوضعت فيه (الممولين) الذين يتكفلون بالجانب المادي والدعم اللوجستي.. 4 - أما في المركز الرابع فتأتي فئة "المتربصين"الذين يشتركون مع دعاة الفتنة والممولين في حرصهم على عدم الظهور العلني.. ورغم انقطاع صلتهم بالفئات السابقة يكنون إعجابا شديدا لحملة السلاح (ثاني أخطر فئة) ويملكون قناعة بسلامة موقفهم - ولا يمنعهم من الانضمام إليهم سوى أنهم أكثر ذكاء يدركون أن نتائج العنف لن تنتهي لصالحهم أو أنها غير مجدية في الوقت الحالي.. ولهذا السبب يستحقون أيضا لقب "المستعدين" كونهم يشبهون الخلايا النائمة المستعدة للظهور والمشاركة في أقرب حالة ارتخاء أو فلتان أمني (وهو ما يفسر الظهور الكثيف والمفاجئ للتنظيمات المتطرفة بعد حالة الانفلات الأمني التي طالت العراق وسورية)!! 5 - وفي المركز الخامس تأتي فئة "المتحذلقين" التي تتمتع بالفصاحة والكاريزما والظهور على الفضائيات بمظهر رجل الدين المتفتح.. وهؤلاء يلبسون ثياب الوسطية ويأخذون على عاتقهم التخفيف من بشاعة الأفعال المتطرفة أو شغلنا عنها بقضايا ثانوية.. فحين يقتحم تنظيم القاعدة مثلا مستشفى في صنعاء ويقتل 54 مريضا وطبيبا يتصنعون الأسى ولكنهم يذكروننا بمفهوم التترس في الإسلام وجواز قتل المتحصنين - أو يشغلونا بقضية مختلفة كالتساؤل "ولماذا لا نبكي على ضحايا القتل المذهبي في سورية!؟" أو "لماذا نتجاهل حرق المسلمين في بورما !؟".. 6 - أما الأكثر إخلاصا من المتحذلقين فهي فئة "المروجين" من عامة الناس الذين ينشرون الأفكار المتطرفة على المستوى الشعبي تحت عباءة التدين.. وهؤلاء يصنفون أنفسهم كتلاميذ مجهولين لدعاة الفتنة (الفئة الأولى) ولكنهم في الحقيقة يعملون كسعاة بريد سذج لأفكارهم المتطرفة.. ورغم أنهم الأكثر عددا (في سلم التطرف) إلا أن عدم قدرتهم على الظهور العلني - كفئة المتحذلقين - يجعلهم ينشطون في الإعلام الشعبي (عبر تويتر والواتساب والفيسبوك) ويتفننون في صياغة مفاهيم التطرف والترويج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.. 7 - وفي المركز السابع يأتي "المجاملون" أو الساكتون عما يجري.. وهؤلاء ليسوا متطرفين في أفكارهم ولكنهم يجاملون غيرهم ويوافقون من حولهم بدافع القرابة أو الصداقة أو خشية الخروج عن الجماعة.. معظمهم يفهمون ما يجري ويدركون خطورة الأفكار المتطرفة - بل ويعرفون أن الدين منها براء - ولكنهم يغضون الطرف عنها (وعما يحاك في صدورهم منها) كونهم لا يرغبون في المواجهة أو خسارة أحد.. ولهؤلاء نقول: الساكت عن الحق شيطان أخرس.. 8 - أما المركز الأخير فهي فئة "التائبين" أو العائدين الى الحق وفقه الواقع.. وهؤلاء كانوا (متطرفين سابقين) وأصبحوا يقفون ضد العنف والتطرف نتيجة خبرة وتجربة شخصية.. وهم بعكس المجاملين في آخر فئة لا يترددون في مواجهة المتطرفين وكشف خطورة موقفهم وتبنيهم للأفكار العنيفة.. ولولا وجود شواذ بين هذه الفئة (تتصنع التوبة وتقبل المناصحة) لما وضعتهم أصلا في هذا السلم كونهم أصبحوا مسالمين اقتنعوا أخيرا أننا لا نعيش في عالم مثالي بل في عالم واقعي.. رغم كل نواقصه وأخطائه، فإنه أفضل من عالم مغلق يفرض فيه المتطرفون قناعاتهم الشخصية بالقوة الجبرية.. (الدرجات العشر للتطرف / "المتحذلقين"، "المروجين"