منذ اندلاع الشرارة الأولى لما أطلق عليه «الربيع العربي» في تونس، وانتقالها إلى دول عربية أخرى، أصبح هاجس تكرار تلك التجربة ينتشر بين عديد من الشعوب في دول الاتحاد السوفياتي السابق، وعلى وجه الخصوص في منطقة آسيا الوسطى التي تحكم دولها أنظمة مشابهة لأنظمة دول الربيع العربي. لم تكن التجربة العربية، هي الأولى بالنسبة للجمهوريات السوفياتية السابقة، حيث شهدت تلك الدول سابقاً الثورات الملونة في أوكرانيا وجورجيا، وانتفاضتين في قيرغيزستان. وبعد مضى ما يقارب ستة أعوام على الربيع العربي، وبالرغم من خروج بعض الاحتجاجات البسيطة في بعض دول آسيا الوسطى، إلا أن شعوب المنطقة أدركت الدرس جيداً، وبدأت تتخوف من تكرار السيناريو السوري على وجه الخصوص، أو الأوكراني مرة أخرى، في حال حدوث أي انتفاضة شعبية لإسقاط نظام الحكم في دولهم، ولاسيما أن معاناة الشعب السوري تحديداً أصبحت فزاعة لأي شعب يحاول مجرد التفكير في إسقاط نظام الحكم. لا تخفي الحكومة الروسية قلقها في شكل مستمر من انتقال عدوى أي ثورة شعبية، قد تقوم في إحدى دول آسيا الوسطى، وتنتقل إلى العمق الروسي، وهذا ما يدفع موسكو إلى تقديم الدعم العسكري والاقتصادي واللوجستي اللامحدود إلى دول المنطقة، وحث قادة هذه الدول مراراً وتكراراً على القيام بالمزيد من الإصلاحات في شتى المجالات ولاسيما في مجال الحريات. يذكر أن نائب وزير الخارجية الروسي غريغوري كارازين قال في 13 نيسان 2011 موجهاً كلامه لجمهوريات آسيا الوسطى «على هذه الدول القيام بإصلاحات في الوقت المناسب، وإلا فسيتم كنسهم كما في تونس ومصر». كما أن الصراع على النفوذ والثروات الموجودة في دول آسيا الوسطى الخمس، وموقعها الاستراتيجي المهم قد يجعلانها حافزاً، ومحط أطماع العديد من القوى الدولية والإقليمية لإيجاد موطئ قدم لها في المنطقة، وهو ما قد يجعل السيناريو السوري مجرد تفصيل بسيط لما قد يجرى في تلك المنطقة. وفي هذا السياق، عبر ديميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت سابق عن قلق الكرملين حيال ظهور مصطلح جديد في الأروقة السياسية للمنطقة، قائلاً: «في الوقت الراهن، يتم تصنيف جملة واسعة من الدول وفقاً لمعيار واحد وتحت مسمى واحد هو آسيا الوسطى الكبرى، وصرنا منذ أمد قريب جداً نستمع لهذا المسمى على ألسنة شخصيات رسمية». وأضاف المتحدث باسم الكرملين،» في الوقت ذاته عندما بدأ الحديث عن الشرق الأوسط الكبير أواخر القرن الماضي، أخذ الخبراء يتداولونه، ومن ثم أصبح القادة والزعماء يتناقلونه عنهم، كما حمل هذا المصطلح طابعاً نظرياً بادئ الأمر، إذ لم يكن يبدو أنه قابل للتطبيق عملياً». يضاف إلى كل ما سبق ذكره، عامل التنوع العرقي الكبير في الجمهوريات السوفياتية السابقة، الذي قد يؤدي إلى إشعال حرب أهلية، بخاصة أن الطبيعة الجبلية لبعض دول المنطقة تساعد على خوض حرب عصابات ناجحة، بعتاد بسيط، ولسنوات طويلة، فعلى سبيل المثل يبلغ عدد العرقيات في كازاخستان إحدى جمهوريات منطقة آسيا الوسطى 120 عرقية. كما يرى المراقبون أن أي موجة احتجاجات قد تؤدي إلى إحراق المنطقة بدلاً من التخلص من الأنظمة القائمة، ولاسيما أن ثورات الربيع العربي أعطت العديد من الدول المزيد من الخبرات والأساليب لمواجهتها وإخمادها. وعبر الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمانوف أمام برلمان بلاده عن تلك التحديات والمخاوف، مذكراً الشعب الطاجيكي بمشاهد الفوضى والصراع التي لا تزال عالقة في الذاكرة، قائلاً «الثورات على النمط العربي مستحيلة في طاجيكستان»، وأضاف رحمانوف: «البلاد مرت بحرب أهلية استمرت خمس سنوات قتل فيها أكثر من 100 ألف شخص ونتج عنها نحو مليون لاجئ». ولفتت العديد من المنظمات الدولية إلى قلقها حيال اتخاذ بعض دول المنطقة كطاجيكستان وأوزبكستان، قضية الإرهاب وزعزعة الاستقرار في البلاد كذريعة لقمع أي صوت معارض لنظام الحكم. الجدير بالذكر قيام السلطات الطاجيكية بسلسلة من الإجراءات المشددة ضد المظاهر الإسلامية، كحظر الأسماء العربية على المواليد الجدد، ووضع كاميرات مراقبة على المساجد وفرض حلق اللحى. أثبت الربيع العربي أن الشعوب لا تستطيع تحمل الفوضى وانعدام الأمن والاستقرار، وهو ما يدفع كثيرين من المواطنين إلى التفكير ملياً قبل الاستجابة لدعوات التظاهر، وعبر عن ذلك الرئيس الكازاخستاني نور سلطان نازارباييف في 1 أيار(مايو) 2016 خلال كلمة ألقاها بمناسبة يوم الوحدة في كازاخستان، «أوكرانيا ثاني أكبر دولة في الاتحاد السوفياتي السابق. لديها الآن اقتصاد هو نصف حجم اقتصاد كازاخستان لأنه لا يوجد هناك وحدة وطنية، لا يوجد إحساس بالأهداف، لم يتم حل أي مشكلة، والناس مشغولون بأمور أخرى: الصراع والقتل والفضائح». وفي الوقت الذي تشهد كازاخستان موجات احتجاجية من وقت لأخر، بدأت تنتشر أخيراً مقاطع فيديو تظهر فيها آثار الخراب والدمار في دول الربيع العربي عقب أي دعوة للتظاهر، لتذكير المواطنين أن السيناريو السوري في انتظاركم في حال الاستجابة لتلك الدعوات المجهولة المصدر. ويرى بعض السياسيين أنه على الرغم من اتخاذ أنظمة آسيا الوسطى كافة الإجراءات والأساليب المتطورة لمواجهة أي أزمة قد تطرأ في دولهم، إلا أن كل ذلك قد يكون غير كاف، بل عليهم التوجه نحو معالجة المشكلات المتفاقمة في البلاد ومكافحة الفساد وتحسين المستوى المعيشي للمواطن الذي يعتبره أهم الأولويات لديه.