انتهت منذ أيام قليلة فعاليات مؤتمر تطوير الخطاب الثقافي والذي أقامه المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة. وتشكلت لجان وحضر الإعلام ووفدت شخصيات مهمة وغير مهمة من مختلف أرجاء الوطن العربي، وقلنا الحمد لله سنرى وسنطلع على آراء مستنيرة وعلماء سينيرون الطريق بدلا من التخبط في الظلمات! لكننا للأسف لم نسمع سوى طنين تضج به القاعات وورقات بحثية هي في أغلبها ليست بحثية وإنما كما عهدنا دوما استهلاك للوقت وملء الفراغ الزمني إن جاز التعبير! أعتقد أن عدم فهم الوظيفة للكلمة أو قل للمصطلح هو السبب في إخفاق الرسالة، وبطبيعة الحال المسألة محصورة في حيز مرسل ومتلق؛ وعلى هذا يتم فهم الوظيفة والتي هي أول نتاج المصطلح. فماذا يعني تطوير الخطاب الثقافي؟ أعتقد لو فهمنا السؤال سنصل للوظيفة وبلا جهد وبلا قاعات ومؤتمرات وأموال تنفق هنا وهناك وما يتبع ذلك من مجهود. حينما انطلق شعار المؤتمر (تطوير الخطاب الثقافي) سألت: هل هذا يختلف عن تطوير الخطاب الديني؟ وكانت الإجابة بأن: لا ولكن الخطاب الثقافي يشتمل على الخطاب الديني بصفته ثقافة، وقلنا ربما يكون الأمر أشمل وأعم. نعود لنكمل الحديث عن مفهوم تطوير الخطاب وما هو كنهه وما هي وظيفته؟ ومن هنا فقد يتبين الأمر لأن المصطلح لابد أن يكون ذا وظيفة كما عهدنا في جميع المصطلحات أنه لا مصطلح بدون وظيفة. لم يلبث أن ينتهي فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي من ندائه بتطوير الخطاب الديني حتى وجدنا الكثير ينبرون في العبث بالمادة الدينية نفسها وفي موروثنا الديني ورواده وعلمائه وكأنهم لم يفرقوا بين تطوير الخطاب الديني وبين تغيير المفهوم الديني نفسه، وهنا حدثت كارثة كبيرة إذ تم اللعب على عنصر المادة وليس على عنصر الخطاب نفسه وكانت كارثة سجن بعضهم بسببها. ثم إذا نظرنا إلى ما حدث في هذا المؤتمر فسنجد أن المنصة تعج بالكثير من الكلام الذي هو نفس الخطاب المستخدم من ذي قبل ؛ وعلى هذا فأين تطوير الخطاب؟ التطوير ياسادة هو تطويرنا نحن، تطوير لغتنا، تطوير أسلوبنا، تطوير حرفية التماس مع الآخر، تطوير الحالة النفسية للمتلقي وميوله وأهوائه ومواطن متعته. تطوير الخطاب يا سادة هو أننا لابد أن ننظر في ذواتنا وفي أساليب خطاباتنا، وهل يقبل عليها الذائقة أم لا؟ وعلى هذا نعمل على دراسات في علم الكلم وفي علم العصر المتزامن مع الكلمة وأعتقد أن هذا كان بعيدا عن كل ما يطرح في مؤتمرات تطوير الخطاب، لأن الكل يبحث في المادة المرسلة وتطويرها ولا يبحث في علم الخطاب نفسه كأداة من أدوات التواصل بين مرسل ومتلق. والدليل على ذلك هو التوجه إلى المادة الدينية نفسها فور مطالبة الرئيس بتطوير الخطاب. لا ليس هذا هو الطريق، بل الطريق الصحيح هو البحث بأسلوب عملي في دوائر التلقي وكيفية الوصول إلى وجدان المتلقي، فالوجدان هو كما حدثتكم عنه في المقالة السابقة هو القلب، وهو ليس القلب الذي في الصدر وإنما هو قلب المخ يقطن بين فصيه ويتأثر بما تدره عليه الحواس الخمس. الطريق هو البحث في أساليب متعة الخطاب لجلب الذائقة التي يتوجب أن تأتي لاهثة لتسمع وترى.! إننا نكرر القول بأن استجلاب المتعة وبدون عناء من المتلقي هو طريقنا الأول أو قل الركيزة الكبرى في تطوير الخطاب المنفر والمخيف والمعنف وما إلى ذلك والسرد هو ما يجلب المتعة إن جاز التعبير وخاصة إذا ما حمل بالخيال واتكأ على العقيدة اتكاء غير مباشر، فالمباشرة لا تأتي إلا بالتمرد والنفور لأننا قوم تربى على السيادة وعدم الانصياع للأوامر ثم إن السرد هو ما يجلب المتعة لأننا قوم متعته سمعية نستمتع بآذاننا فنحن قوم قوليون. ولقد كان لنا في القرآن الكريم أسوة حسنة وكيف أنه مشبع بالقصص وبالسرد لأن ذلك يمهد الطريق لما يسمى الانزلاق الوجداني والتسرب الانفعالي، فسبحان الله العلي العظيم من قبل ومن بعد. ومن هنا نجد اننا نختلف عن الأقوام الأخرى في تعاطيها للخطاب وهذا ما أثبته بالحقائق العلمية في حيثيات نظريتي (البعد الخامس في التلقي) إذ لابد أن نبحث عن طرق المتعة لدينا باختلاف طرقها عند الغرب، وقد نظر الغرب للمتعة منذ ما قبل الميلاد ولكن كل بحسب قومه وطبيعة شعبه فما يصلح لهم قد لا يصلح لنا ولعل كثيرا من قرائي الأعزاء يوافقونني هذا الرأي. وعلى سبيل المثال نجد أن أول من نظر للمتعة هو الشاعربوبليوس أوفيديوس نازو والذي أطلق عليها اسم أوفيد الذي عاش بين سنة 43 ( ق.م و17 أو 18م)، وسبقه في ذلك بقرون أي في القرن الثالث قبل الميلاد المنظر أبيقور والذي أفرط في سبلها حتى أفرط شعبه في تحويل كل أمور الحياة الى البحث عن المتعة ثم أتى فرويد بنظرياته. ولذلك نقول نحن قوم لنا طرقنا التي نعتمد عليها في استجلاب المتعة في الخطاب ومنه السرد والعقيدة والخيال وهي محاور تطوير الخطاب لدينا والتي تحمل خصوصية لنا دون غيرنا ومن هنا نقول إن البحث في أمور تطوير الخطاب هو البحث في المرسل وأساليبه وليس في المادة المرسلة على الإطلاق. وعلى هذا فتطوير الخطاب الثقافي يتوجب الاعتماد على (السرد، والخيال، والعقيدة) بما يحقق المتعة. melha57@yahoo.com