×
محافظة المدينة المنورة

عام / خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي

صورة الخبر

يعد انتشار الجامعات وتنوعها ظاهرة صحية في أي بلد ورافدا أساسيا لتنمية المجتمعات إذا ما قامت تلك الجامعات بالدور المناط بها كما يجب أن يكون. ونحن في المملكة حققنا قفزة كبيرة في كم الجامعات في زمن قياسي بفضل الله ثم بوعي القيادة العليا وصناع القرار بقيمة الجامعات وأهميتها في دعم مشاريع التنمية واستجابة لرغبات المواطنين بتوفير التعليم العالي في شتى أرجاء الوطن المترامي الأطراف. إلا أن الملاحظ في معظم الجامعات العريقة والناشئة أنها لا تزال حبيسة التخصصات والأداء التقليدي والضعف العام في كفاءتها الداخلية والخارجية والقصور في فهم بيئتها المحلية ومقومات واحتياجات تلك البيئة. ومع إعلان رؤية 2030 أصبح لزاماً على وزارة التعليم إعادة هيكلة الجامعات لتستطيع تعزيز خطط وبرامج التحول الوطني باعتبارها المؤسسات الأهم في تحقيق رؤية 2030. مع مراعاة أن يكون الهدف الأساسي من إعادة الهيكلة تحسين ورفع مستوى الكفاءة الإدارية والقيادية والمالية والتعليمية والبحثية. وأعتقد أن إعادة هيكلة الجامعات يجب أن تكون على عدة أبعاد في وقت واحد لتؤتي أكلها أهمها البعد الاستراتيجي والبعد التنظيمي والإداري والبعد الأكاديمي التخصصي والبعد الجغرافي والبعد الإنشائي. وسنستعرض في عجالة أهم الجوانب في كل بعد من أبعاد إعادة الهيكلة. ففي البعد الاستراتيجي يجب على الجامعات الإعلان عن التحول نحو تطبيقات الإدارة الاستراتيجية التي تتسم بالشمولية والواقعية والتركيز المتوازن على البيئتين الداخلية والخارجية من خلال التحليل البيئي الدقيق والممارسة والمشاركة الفعلية من جميع المستويات الإدارية الدنيا والوسطى والعليا في صياغة الاستراتيجيات وعمليات التنفيذ والرقابة والتقويم الاستراتيجي وهو ما يفرض على الجامعات القيام بعمليات التهيئة التنظيمية والإدارية والمهنية للتحول نحو تطبيقات الإدارة الاستراتيجية كممارسة دائمة والنظر للتخطيط الاستراتيجي في إطاره الطبيعي المتمثل في أنه جزء من كل على مستوى الإدارة الاستراتيجية وكذلك لا يعدو في كونه وظيفة من وظائف الإدارة الاستراتيجية بالإضافة إلى معرفة جوانب القصور في منهجية التخطيط الاستراتيجي إذا ما أخذت بمعزل عن الإطار الأكبر وهو الإدارة الاستراتيجية. وفي البعد التنظيمي والإداري أصبحت الحاجة ماسة لتحديث الهياكل التنظيمية للجامعات والقضاء على الترهل الوظيفي الإداري وخاصة في الجامعات العريقة وتصميم الوصف الوظيفي المتعلق بواجبات الوظيفة ومؤهلات وخبرات شاغلها بطريقة محترفة وواقعية مع إعادة صياغة أدلة العمل الإداري بحيث تختصر إجراءات العمل في ظل توفر التقنية الحديثة وإعداد أدلة الإجراءات الإدارية إلكترونياً بما يسهم في الانتقال من الممارسات البيروقراطية السلبية إلى الممارسات الإدارية الحديثة وتطبيقات الحكومة الإلكترونية. والبعد الأكاديمي التخصصي هو بيت القصيد باعتبار جامعاتنا السعودية نسخ مكررة خالية من الميزة التنافسية إلا ما رحم ربي حتى أضحت عاملا مساعدا في رفع مستوى البطالة وهو ما يتطلب إعادة هيكلة التخصصات سواء بالدمج أو الإلغاء أو استحداث تخصصات جديدة تخدم سوق العمل وتتناسب مع طبيعة المجتمعات المحلية للجامعات ومقوماتها الطبيعية وعلى أن يصاحب ذلك تغيير جذري في مناهج التعليم الجامعي واستراتيجيات التدريس وتطوير أداء أعضاء هيئة التدريس والطلاب والموظفين ببرامج حقيقية وواقعية مبنية على معايير ومقاييس لتحسن مستوى الأداء، والعناية بالبحث العلمي ورفع مخصصاته وتوجيهه نحو احتياجات التنمية مع التركيز على البحوث التطبيقية، وتفعيل وظيفة خدمة المجتمع بأساليب وطرق حديثة لجعل المجتمع شريكا فاعلا وقويا في ممارسات الجامعات التنموية وكذلك تدريب وتأهيل وصناعة قيادات جامعية قوية تلغي عبارة (حسب النظام) من ممارساتها اليومية بحيث تكون مؤهلة إدارياً وملمة بأدق تفاصيل الأنظمة واللوائح الإدارية والمالية وقادرة على تحقيق الكفاءة المنشودة. وأما البعد الجغرافي فالأمر يحتاج دراسة إعادة توزيع الجامعات على المدن الرئيسية والمحافظات ومدى إمكانية إجراء عملية دمج لبعض الجامعات بما يقويها ويعزز فرص تطورها وبقائها بحيث يراعي كثير من الاعتبارات كعدد السكان وطبيعة المدن أو المحافظات ومقوماتها الحضرية وقربها وبعدها عن الجامعات المجاورة ومستوى تلك الجامعات التعليمي والبحثي، مع إمكانية تعميم نموذج الكليات الجامعية في كثير من المدن والمحافظات النائية والتي تشبه إلى حد كبير الجامعات في صورة مصغرة، وأخيراً البعد الإنشائي الذي أوجد جامعات باذخة في تصاميمها ومرافقها ومنشآتها بوجه عام ومكلفة في عملية تشغيلها وصيانتها مما يتطلب إيقاف هذا الهدر الإنشائي الكبير وإيجاد تصاميم للمباني الجامعية أكثر بساطة وملائمة لمتطلبات العصر. وعليه فالجامعات السعودية العريقة والناشئة بحاجة إلى تحول حقيقي مدروس يوازي التحول الوطني نحو مستقبل زاهر. والله من وراء القصد. رابط الخبر بصحيفة الوئام: إعادة هيكلة الجامعات السعودية