يعد السجن مرحلة مهمة في حياة كل سجين سواء بسلبياتها وايجابيتها حيث يعقب هذه المرحلة مرحلة أصعب وأهم وهي مرحلة الخروج من السجن ومواجهة المجتمع والمستقبل وكيفية التغلب على الصعوبات التي تمنع السجين من العيش حياة طبيعية مثل بقية أفراد المجتمع، وبلا شك ان هذه المرحلة الصعبة تتطلب من المجتمع مد يد العون تجاه هذا السجين القادم الى الحياة السوية من جديد واعطاءه فرصة العودة الى دوره الطبيعي كفرد صالح يمارس حياته مثل بقية الافراد. «الرياض» التقت عدداً من السجناء الذين سبق وأن قضوا فترة من حياتهم بين جدران السجن، حيث أبدوا ندمهم وحسرتهم على الأيام التي ضاعت من عمرهم خلف القضبان متمنين أن تُمحى مرحلة السجن من ذاكرتهم وأن تبتسم لهم الحياة ويرجعون مواطنين صالحين في المجتمع. ندم وحسرة في البداية يذكر (عبد الله. ع) أنه عاش تجربة صعبة ومريرة بعد دخوله السجن حيث أصيب بالذهول والصدمة والحالة النفسية السيئة، مضيفاً بأنه على الرغم من مرارة التجربة وقسوتها إلا أنه استطاع أن يعيد التفكير في كثير من خطوات حياته وأصبح يدرك أن الحياة لا تمشي بالعبثية والعشوائية وأن المستقبل لا يأتي بمخالفة النظام وأذية الآخرين. ويضيف بأن دخوله للسجن جاء كنتيجة لأفعاله والتي لم تكن محسوبة ودقيقة حيث استطاع أحد أصدقاء السوء التسبب في تعاطيه المخدرات ومن ثم إغراءه بالمال ليقوم ببيع المخدرات حيث أوهمه بأن مستقبله والنجاح في حياته يقوم ببيع المخدرات لتحقيق أرباح مالية سريعة لتحقيق الطموحات في شراء السيارات الفارهة والمنزل الجميل وتأمين المستقبل للأسرة، ولكن مع الأسف كل ما ذكره ما هو إلا أوهام وسراب حيث تم القبض عليه من قبل رجال الأمن في مدة قصيرة جداً وتم إيداعه السجن وضاع مستقبله وتبددت أحلامه الوهمية، مضيفاً بأن المال الحرام لا فائدة ولا طائل منه حيث تنزع منه البركة ولا يمكن أن تستمتع بالمال الحرام مهما فعلت وهذه الحقيقة لا يعرفها الكثيرون. طيش الشباب وتحدث (صالح. م) أن حياته كانت طبيعية في أسرة كبيرة تسودها المحبة والتعاون والعادات والقيم الأصيلة والتمسك بتعاليم الدين الحنيف، ولكن بعد أن وصل إلى مرحلة الثانوية العامة وأصبح في مرحلة الشباب وبعد أن تعلم قيادة السيارة ذهب مع مجموعة من أصدقائه إلى أحد الأماكن التي يوجد فيها مجموعة من الشباب الذين يمارسون التفحيط والاستعراض بالسيارات وقد أعجبه هذا الأمر ما دفعه إلى تجربة وممارسة التفحيط بالسيارة ولكن السيارة التي يملكها لا تناسب التفحيط ما دفعه مع عدد من أصدقاء السوء لسرقة احدى السيارات ومن ثم استخدامها في التفحيط ولكن تمكن رجال الأمن من القبض علي مع الشباب المرافقين معي وتم الحكم علينا بالسجن. تفكك أسري ويبين (فيصل. م) أنه عاش في أسرة مفككة بعد أن انفصل والده عن والدته وانتقل للعيش مع والدته في بيت جده وأصبح يعاني مع إخوته من انفصال والديه حيث اثر ذلك في تحصيله الدراسي والعلمي ولم يجد المتابعة والاهتمام الكافي، والذي من المفترض أن يقوم به الأب والذي انشغل مع زوجته الجديدة ولقمة عيشه والذي أخذ منه الكثير من وقته، مضيفاً بأنه استغل عدم قدرة والدته في معرفة أصدقائه وأخلاقهم وسلوكهم حيث تعرفت على مجموعة من أصدقاء السوء الذين دفعهم تفكيرهم الشيطاني إلى سرقة المحلات التجارية بهدف الحصول على المال بأي وسيلة كانت، ولكن تم القبض عليه مع من شاركه جرائم السرقة في فترة زمنية قصيرة وتم ايداعه خلف القضبان وأصبح يعيش الحسرة والألم والخوف من المستقبل. مستقبل مجهول ويؤكد (حسن. ع) أن تجربة السجن مريرة وصعبة حيث بعد دخولك السجن يتخلى عنك الجميع باستثناء أسرتك والتي تقف معك وتشد من ازرك وتساندك لتجاوز هذه الأزمة، مضيفاً بأنه دخل السجن بسبب قلة خبرته في الحياة والاندفاع المتهور في سبيل تحقيق أحلام لم يتحقق منها سوى الحسرة والألم، حيث قرر أن يدخل مجال التجارة ولكن بدون خبرة أو دراسة كافية حيث دخل أحد المشروعات التجارية ما تسبب في تكبده ديونا مالية كثيرة عجز عن سدادها لأصحابها ما دفعهم إلى تقديم شكاوى في حقي حيث انتهى به المطاف إلى دخول السجن وضياع الأحلام الوردية التي رسمها للمستقبل، مضيفا أن مستقبله أصبح مجهولاً ولا يعرف كيف سيواجه المجتمع ونظرات الناس والحصول على فرصة عمل مناسبة يستطيع من خلالها بناء نفسه ومستقبله من جديد. مراعاة السجين وقبوله من جانبه أكد د.عبدالرحمن آل عوضة -المدرب المعتمد في التنمية البشرية والمستشار التربوي والأسري- أن السجناء يختلفون في أنماطهم وبرامجهم العقلية وتفكيرهم ومشاعرهم وسلوكهم الى غير ذلك، وكذلك تختلف قضاياهم التي سجنوا بسببها ومستوى الصحة النفسية لهم والبيئة الحاضنة الى غير ذلك من الاختلافات، مضيفا من هنا فالطريق الأمثل فيما يبدو لمثل هذه الاختلافات معرفة خصائص السجناء الفردية ومراعاتها وتلمس الحاجات وخاصة الحاجات النفسية وتحقيقها، ومن المفيد هنا الإشارة إلى أنه وراء كل سلوك مزعج رغبة في تحقيق حاجة نفسية كالحاجة للمحبة والقبول والاعتبار..الخ. واردف د. آل عوضة: بالنسبة لأولى الخطوات التي يستقبل بها التائب الخارج من السجن هي في نظري قبوله التام كما هو، وهذه الخطوة تعتمد على نفسية المستقبل له ومدى مستوى الوعي والصحة النفسية للمستقبل وعدم اشعار السجين بالدونية أو تذكيره بشيء من مشكلته، ومن المفيد أن يتذكر الجميع أن منزلة السجين قد تكون عند الله عظيمه كما في الحديث (وما يدريك لعله يحب الله ورسوله). ويعتبر السجن عارضاً قد يحدث لكل البشر وكذلك الخطأ والزلل، وبعد قبول السجين كما هو يأتي التعامل الراقي معه وإدماجه في الحياة اليومية واشغاله بمايعود عليه بالنفع في دنياه وآخرته والسعي لتحقيق حاجاته النفسية كالاحترام والتقدير والانتماء والامن والاستقلال والقبول والمحبة والإيمان ولايفوتني هنا أن أنوه بأهمية الصحبة الإيجابية وقد نضطر لتغيير البيئة الحاضنة لان هناك سلوكيات يلزم منها تغيير البيئة. وأوضح أنه فيما يخص بناء ثقة التائب السجين الخارج من السجن فنحتاج الى من يفهم ذلك البعد النفسي وتأهيل الأسرة لاهمية ثقة السجين بنفسه، وهنا خطوات لإعادة بناء ثقة السجين التائب بنفسه بعد خروجه من السجن: أن يقبل السجين نفسه ومن أهم العوامل لذلك قبول السجين من قبل مجتمعه كما هو، بناء الالفة وتقديم المحبة بالتعامل الراقي من البيئة المحيطة، وجود البيئة الإيجابية، عدم المبالغة في التعامل أو إشعاره بتميز ما، رفع وعيه ودمجه مع المجتمع، اكتشاف الميول والهواية وتنميتها، مساعدته لسد حاجته المادية، تأهيله للعمل والبحث له عن عمل، رفع مستوى الوعي بحضور الدورات والقراءة والسماع..الخ، إعادة بناء الشخصية السوية للسجين، ويتحمل السجين المسؤولية الكبيرة في ذلك بمساعدة مجتمعه. ويشير د. آل عوضة الى كيفية تعامل المجتمع مع السجين التائب لافتا الى انه ينبغي على أي مجتمع أن يتبنى تصورات وأفكارا صحيحة مستمدة من الشرع الذي جاء لحماية الانسان وحفظ كرامته ووضع الخطأ في وضعه الطبيعي دون المبالغة أوالتفريط: ننظر من خلال الكتاب والسنة لهذا الخطأ والمخطئ وأن الشرع جاء لحماية الإنسان والستر عليه وفتح باب التوبة مهما كان ذلك الخطأ وحفظ كرامة الانسان، أن يعلو صوت العقل وبهذا تحسب الآثار والعواقب ويسعى المجتمع بنظرته الإيجابية لقبول المخطئ والتائب كما هما ومساعدتهما للتغلب على عثرتهما حفظاً لكرامتهما وفتح باب التوبة فربما كان هذا المخطئ بخطئه وعثرته عند الله عظيم، وقد يكون بسريرته خيرا ممن لم يخطئ، أن يتحرر المجتمع من تلك التصورات العاطفية التي تبالغ في تجريم الخاطئ والتشهير به وإعانة الشيطان عليه وإغلاق خط الرجعة عليه وتقنيطه من رحمة الله الى غير ذلك من التصورات الخاطئة التي توجد في قلة من المجتمع غير الواعي. ونأتي الى أهم الطرق لحماية السجين التائب على ألا يعود قبوله كما هو، نظرة المجتمع الإيجابية للسجين، وجود برامج نوعية لبناء السجين، وأن نسعى لإعداده إعداداًمتكاملاً داخل السجن وخارجه ولا يكون الهدف هو خروجه فقط، دراسة الأسباب الحقيقية التي أدت لدخوله السجن والعمل على تلاشي تلك الاسباب، رفع مستوى التعليم لدى السجين، تغيير بيئة السجين السابقة ودراسة كيف يمكن ابعاده عن الأشخاص الذين كانوا سببا في ذلك إن وجدوا، تنمية الوازع الديني، تنمية مهارات التفكير، تنمية الذكاء الوجداني، تنمية إدارة الذات. وفيما يخص إيجاد البيئة المناسبة للسجين ذكر د. آل عوضة أن لكل سجين وضعه وظروفه الخاصة ولكل سجين البيئة الحاضنة ويحتاج أي سجين الى مجتمع يعينه وعلى مقومات تساعده لاعادة بنائه النفسي والاجتماعي وأن من صفات البيئة المناسبة للسجين وجوده في بيئة إيجابية مثقفة محافظة متفائلة، وجوده في اسرة سعيدة ورفقاء صالحين. الحصول على الوظائف من جانبه اوضح د.عبدالله المغلوث -الخبير الاقتصادي عضو الجمعية السعودية للاقتصاد- بأنه لابد ان تكون هناك جهات حكومية وقطاع خاص لفتح الابواب للسجين الذي تم الإفراج عنه لكي يحصل على وظائف تقيه وتقي اسرته من حوائج الدنيا، بل والسعي الى إيجاد عيشة كريمة له من خلال ذلك العمل، وانه لابد ان تتوافر الجهود بين كافة القطاعات، مضيفا نحن نعلم ان هناك جمعية تعتني بالسجناء المفرج عنهم واسرهم بعد الخروج وذلك بدعمهم والوقوف معهم، لذا ينبغي أن يكون لصندوق الموارد البشرية والبنوك إسهام في دعم السجناء المفرج عنهم في قائمة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بل وان تقدم لهم الدراسات الاقتصادية بالمجان عن مدى أهمية المشروع ونجاحه، مشيرا إلى أن المسؤولية الاجتماعية التي تقوم بها الشركات تجاه المجتمع والمفرج عنهم احد مكونات المجتمع، وأن على وزارة التعليم ان تساعد السجناء بعد خروجهم على إكمال دراساتهم الجامعية وغيرها. وتابع المغلوث هناك مؤسسات اقتصادية ومصانع ينبغي التعامل معهم وتوظيف السجناء بعد خروجهم بل وتدريبهم بالشيء الذي ينفعهم ويعزز من قدراتهم وتفكيرهم حتى يخدموا في المجتمع، والمؤسسة العامة للتدريب التقني والفني ينبغي ان يكون لها دور كبير بالأخذ بأيديهم وتشجيعهم لما ينفع المجتمع والوطن. العلاج من جانبها تقول د.فوزية الحربي -استشارية الطب النفسي- : ان السجين يحتاج بعد الخروج من السجن إلى المتابعة الطبية لدى طبيب نفسي للتأكد من سلامته من الناحية النفسية وعدم وجود مرض نفسي يؤثر في حياته في المستقبل، مضيفة بأن السجين إنسان يحتاج إلى الدعم والمساندة من المجتمع وخصوصاً الأسرة والأصدقاء حيث يحتاج إلى منح الثقة في الشهور الأولى من خروجه من السجن وكذلك مساعدة السجين في إيجاد فرصة عمل تساعده على الإحساس بقيمته وتحقق له الاكتفاء المادي وعدم الحاجة إلى الآخرين وتشغل وقت فراغه بما ينفعه وتساهم في السير به إلى المستقبل ومواجهة الصعوبات بعد أن شعر السجين بحجم الخطأ الذي وقع فيه ويسعى إلى نسيان هذا الخطأ وعدم الوقوف فيه في المستقبل. وتضيف ان الدولة حفظها الله حريصة على الاهتمام بالسجين كفرد من أفراد المجتمع وإعادته إلى المجتمع بعد أن يتم إصلاحه وتهذيبه وتأهيله، حيث يتم وضع البرامج والدورات التعليمية للسجين من خلال إلحاق السجناء بالتعليم عن بعد وكذلك إلحاقهم في دورات مهنية في الميكانيكا والكهرباء والصيانة، وكذلك الاهتمام بأسرة السجناء والمفرج عنهم من خلال اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم (تراحم) والتي تقدم الدعم المادي والمعنوي للسجناء وذويهم كفئة مهمة في المجتمع. برامج تأهيل السجناء تساعدهم على سرعة الاندماج في المجتمع بعد الإفراج عنهم ينبغي على القريبين من السجين مساعدته للخروج من تجربته المريرة وفتح صفحة جديدة المجتمع مطالب بتعزيز ثقة المفرج عنه بنفسه ومساعدته على النجاح