فيما استعد الطلاب في انحاء العالم لإجازة صيف طويلة ووداع عام دراسي انطوى سريعاً على غير عادة، انشغلت المنطقة بظاهرة غامضة وهي تسريب اسئلة الامتحانات للشهادة الثانوية في ثلاث دول على الأقل هي مصر والجزائر والمغرب، حيث تفاوتت تقديرات السلطات لملابسات هذه الأحداث على رغم تزامنها في شكل مريب، ما افسح في المجال امام تأويلات سياسية لحصولها. والملاحظ أن المغرب تعاطى مع موضوع تسريب اسئلة الامتحانات (وأجوبتها ايضاً بطبيعة الحال)، باعتباره جريمة الهدف منها الربح المادي، وأعلن عن اعتقال 21 مشبوهاً بالتورط في هذا العمل في مدن عدة بينها الرباط وطنجة ومراكش وفاس ومكناس. وأوضحت مصالح الأمن المغربية في بيان أن بين الموقوفين طلاباً مرشحين لامتحانات البكالوريا، يشتبه بتورطهم في إدارة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مخصصة لتسريب أسئلة الامتحانات وأجوبتها لقاء مبالغ مادية. وأشارت الى عمليات تفتيش ودهم ومصادرة معدات تستخدم في تسهيل الغش. الى هنا لا يعدو الأمر كونه فضيحة يتعيّن تطويقها واستدراكها مستقبلاً وذلك من خلال تشديد وسائل الرقابة الامنية على المواد المتعلقة بالامتحانات، وإنزال اشد العقوبات التي ينص عليها القانون بحق المتورطين. غير أن الأمر اتخذ ابعاداً أخرى في مصر والجزائر، وصلت الى حد وصف رئيس الحكومة الجزائرية عبد المالك سلال عملية تسريب اسئلة البكالوريا (الشهادة الثانوية) بأنها «مساس بالأمن القومي»، فيما صنفت اوساط الرئاسة الأمر بـ «المؤامرة» واتهمت «الإسلاميين» بتدبيرها، للنيل من وزيرة التربية نورية بن غبريط التي طالبت اوساط الاسلام السياسي بإقالتها على خلفية اصلاحات باشرتها في قطاع التربية والتعليم اثارت استياء «المحافظين». ولم تبتعد الأوساط الرسمية في مصر عن هذا الموقف في تصنيفها تسريبات تعلقت بأسئلة امتحان الثانوية العامة، وذلك على اعتبار ان المقصود بذلك الايحاء بأن الدولة عاجزة عن تأمين سير الامتحانات. وفوجئ المصريون بالتسريبات التي طاولت مادتي اللغة العربية والدين وكانت ممنهجة وانتشرت كالنار في الهشيم على شبكة الانترنت. وأوحت التعليقات التي رافقت الضجة الإعلامية غداة حصول التسريبات ان السلطات تمكنت من كشف «رأس خيط» في الموضوع يقود الى التيار الاسلامي الذي يخوض حرباً بلا هوادة ضد السلطات. وكانت لافتة من باب الاشارة الى طبيعة الضرر الذي يخلفه التلاعب بمصائر الطلاب، العودة بالذاكرة الى ممارسات من هذا النوع قامت بها إسرائيل قبل نحو قرن، لـ «توجيه لطمة إلى الدولة وإرسال رسالة إلى الناس مفادها أن البلد مخترق»، والمفارقة الكبرى ان التسريبات الجديدة تزامنت مع ذكرى حرب حزيران (يونيو) 1967، كما أشار الزميل محمد صلاح في مقاله في «الحياة» بالامس. لا شك في أن المساس بقطاع التعليم في أي دولة هو مساس بأمنها القومي، وأن أي ضرر يلحق بالطلاب ومستقبلهم يتعيّن عدم السكوت عنه والتحرك لمعالجته وسد الثغرات التي تسببت به. ولا شك ايضاً ان استقرار قطاع التعليم مرتبط ارتباطاً مباشراً باستقرار المجتمع، وبالتالي فإنه على رغم تسليط الأضواء على تسريب اسئلة امتحانات في هذه الدولة او تلك، فإن ذلك لا يعني عدم وجود ثغرات أكبر وأخطر يواجهها النشء في دول أخرى، فكيف يمكن تصوّر وضع التعليم في سورية واليمن وليبيا، في ظل الحروب والنزاعات؟ والمؤكد ان نسباً متزايدة من الطلاب في المنطقة لم تعد تحصل على حد مقبول من التعليم، إذ أضيف عدم الاستقرار الأمني المستجد الى الفقر والتخلف والأوضاع الاقتصادية المزرية التي باتت تعاني منها غالبية الأسر من حولنا.