×
محافظة المنطقة الشرقية

دعوة 170 نجمًا كرويا والإعلانات تزين النادي الأهلي يكثف تحضيراته لاحتفالية «لمة الزمن الجميل»

صورة الخبر

أنهى أمين ابن السنوات التسع امتحاناته الصباحية، وأسرع إلى المنزل. التقط زهراته البلاستيكية وركض ليلحق بشاحنة النقل التي تقله مع ثلة من رفاقه الى شارع الحبيب بورقيبة حيث يبيعون سلعهم الزهيدة الثمن للسائحين والمارة. عند وصوله لم يتفاجأ أمين بالجلبة التي ملأت شارعه العزيز على قلبه، فقد اعتاد التظاهرات والمسيرات التي تساعده في التخلص بسرعة من بضاعته. إلا أن رؤيته رئيس الجمهورية ومرافقيه وسط الشارع أثارت الذعر والفضول بقلبه فانتحى مكاناً قصياً يراقب عودة المتجمهرين إلى منازلهم ليتبين له وجود زائر جديد راح ينظر إليه بذهول. لم يكن الزائر مخيفاً ولكنه لم يبعث في قلبه الطمأنينة، «هذا تمثال الحبيب بورقيبة» قال أحد المارة. فهم أمين أن هذا الرجل الذي يمتطي صهوة جواد هو صاحب الشارع الذي يبيع فيه زهراته. شعر فجأة بالأنس، هذا الزائر ليس غريباً، هو شارعه ولكنه شارعي أيضاً. هنا أعيش منذ خمس سنوات، أتابع الحصص المسائية بعد الدرس وأيام العطل. هذا شارعك سيدي ولكن هنا مكان عملي ولهوي ولعبي وهنا ذرفت دموع الخوف والقهر والفقر فمن أحق منا به؟ ربما كنت يوماً صاحبه ولكني أملكه اليوم وهو يملك قوت يومي ورزق عائلتي. اقترب أمين قليلاً من التمثال الضخم وتأمّل حجارته وزخرفته، لم يحب لونه القاتم ولكنه أعجب بالحصان، هنا سنلعب لاحقاً قال أمين مبتسماً لزميلته وردة، بائعة العلكة ذات العشر سنوات. ولكن وردة نهرته «سوف يضربنا البوليس فلنبتعد، هيا». تفرّق الأطفال في أنحاء شارع الحبيب بورقيبة لإنهاء عملهم اليومي. يبيعون الورود والمحارم الورقية والعلكة والشكولاتة ويتحولون متسولين حين تنتهي بضاعتهم. يخفون ملاليمهم القليلة في جيوب داخلية سميكة وينبرون للإمساك بتلابيب المارة من تونسيين وأجانب. هل تريد علكة سيدي؟ اشتر لحبيبتك وردة، إنها جميلة، قدم لها هدية. لا يقلل ابتعاد المارة عنهم ولا الصراخ في وجوههم من عزمهم على البيع والتسول. هذا الشارع ملك لهم منذ الصباح الباكر إلى حين وقت العودة، حين تأتي شاحنة مجهولة لتقلهم إلى منازلهم. يطلق عليهم بعضهم تسمية «أطفال الورد» نسبة إلى بضاعتهم إلا أن غالبية من يعرفهم يسميهم «أطفال (شارع) الحبيب بورقيبة». تفرّق الأطفال وفي قلبهم خفقة للزائر الجديد. اتفقوا على أن يلتقوا هناك في آخر اليوم للهو، ولكن الحقيقة أن فضولهم الطفولي هو من حضّهم على العودة الى تمثال صاحب اسم شارعهم. عند المساء عاد أمين إلى حيث الرجل الغريب والحصان، اتكأ على شجرة مجاورة في انتظار أن تأتي وردة. أطلت وردة دامية القدمين، أحد الأطفال خطف علكتها فسقطت وهي تحاول اللحاق به، جلست وردة قرب أمين ورفعت عيناً دامعة نحو بورقيبة وحصانه. أخبرت أمين في ما بعد أن أحد المارة قال إن التمثال احتاج إلى الملايين حتى يتم تنصيبه هناك. لم يأبه أمين، كان يركز نظراته على الحصان، كم كان يحلم بأن يمتلك حيواناً منزلياً يحنو عليه ويحادثه ويأخذه في نزهة، فجأة تذكر عصا والده وهو ينهره موبخاً بسبب عدم بيعه الزهور البلاستيكية التي في حوزته. في انتظار إشارة صاحب الشاحنة التصقت وردة بكتف أمين في محاولة للاختباء من رجلَي الأمن اللذين اقتربا من المكان ليبدآ حصة حراسة التمثال المسائية. قال أحدهما مزهواً «إنه الزعيم الذي نجح في إخراج البلاد من الظلمات وكان ركز برامجه على تطوير تعليم الأطفال ورعاية صحتهم.» اشتد الألم بوردة، لم تشأ أن تصدر صوتاً، التقط أمين يدها وركض «هيا، وصل صاحب الشاحنة».