×
محافظة المنطقة الشرقية

في أولوية جديدة.. الاتفاق بطلاً لدوري الصالات في نسخته الأولى

صورة الخبر

الجريمة كل سلوك إنساني غير مشروع إيجابيا كان أم سلبيا عمدا كان أم غير عمد يرتب له القانون جزاء جنائيا، والحديث عن مسؤولية الجريمة يقود للحديث عن الجزاء عليها، فإذا كانت المسؤولية يتحملها مرتكب الجريمة فالجزاء عليه هو النتيجة المترتبة عن تحمل تلك المسؤولية، إذ لا يمكن أن تستقيم الحياة الاجتماعية إلا بتحديد المسؤوليات ولا فائدة من تحديد المسؤوليات دون تطبيق الجزاء، لكن المشكلة التي تواجه عملية تطبيق الجزاء هي مشروعية الجزاء عليه وحده، بمعنى هل كل من يقوم بجريمة يكون وحده المسؤول عنها أم أن هناك أطرافا أخرى يجب أن تتحمل معه نتائج تلك الجريمة؟ إن الجزاء في نظر فلاسفة الأخلاق في الأصل هو الفعل المؤيد بالقانون الذي يفرض على من ارتكب الجريمة، فإذا تعمد شخص إلحاق ضرر بآخر فليس من المعقول ألا يعاقب، فجريمته هي المبرر الكافي الذي يدعونا لعقابه، فالعقاب هنا مشروع وعادل كون مرتكب الجريمة حرا عاقلا، وهذا موقف أصحاب النزعة العقلية ومنهم أفلاطون القائل: «إن الله بريء والبشر هم المسؤولون عن اختيارهم الحر» ويقول ايمانويل: «إن الشرير يختار فعله بإرادته بعيدا عن تأثير الأسباب والبواعث فهو بحريته مسؤول» وهذا هو الموقف في الفكر الفلسفي الإسلامي، فالإنسان مسؤول عن أعماله، لأنه ذو حرية وعقل يميز الخير والشر فهو مخير مكلف مسؤول، والغرض من العقاب في نظر هذا الاتجاه هو مجازاة المجرم حسب جريمته. لكن مهما كانت حرية الإنسان وقدرته العقلية فإنه لا يمكن إهمال الظروف التي أحاطت به حين ارتكب جريمته، فالإنسان خاضع لحتميات مؤثرة تجعل اختياره محدودا، وعلى هذا فالمجرم لا يعتبر وحده المسؤول عن جريمته، والدراسات الحديثة في مجال علم النفس والاجتماع غيرت نظرة المشرعين إلى العقوبة والغاية منها وإلى المجرم وأساليب التعامل معه ما أدى بالمجتمع إلى الانتقال من التفكير في عقاب المجرم إلى التفكير في علاجه وإعادة اندماجه وتكييفه مع الجماعة وهذه نزعة أصحاب الوضعية ومنهم لومبروزو أحد ممثلي المدرسة الإيطالية في علم الجريمة الذي يرى ان المجرم يولد مزودا باستعداد طبيعي للإجرام. ويرى فيري أحد علماء إيطاليا في علم الجريمة أن المجرم لا يوجد مجرما، لكن تصنعه ظروف بيئته الاجتماعية الفاسدة، فالجريمة نتيجة حتمية لمجموعة من المؤثرات لابد عند توافرها من وقوع الفعل الإجرامي من قتل أو سرقة ونحوهما، وهذا التوجه موجود في الفكر الفلسفي الإسلامي، حيث ترى الجبرية أن الإنسان ليس هو علة أفعاله، بل مجبور على فعل الفعل بعلة ما، فلا اختيار لإرادة الإنسان أمام إرادة الله المطلقة، وهم بذلك يركزون على الجزاء الإصلاحي، لكن الأخذ بهذا الموقف قد يترتب عليه إلغاء المسؤولية والجزاء عن المجرم الفاعل، ويدفع للتسامح مع المجرم الفاعل، وهذا سيزيد توسع الجريمة وتبرير الإجرام. وكلا الاتجاهين فيه بعض النقائص، فالاتجاه العقلي الذي يهتم بالجريمة، ويهمل المجرم وكأن العقوبة غاية في ذاتها فيه نقص، كما أن الاتجاه الوضعي الذي يهتم بالمجرم ويهمل جريمته وكأن المجرم لا ذنب له فيه نقص، والحق أن المجرم مسؤول عن جريمته، مع ملاحظة مختلف ظروفه ودوافعه للإجرام. إن العقاب الذي لا ينظر لملابسات وأسباب ودوافع الجريمة يجعل المجرم عدوا لدودا لمجتمعه، كما أن الجزاء الإصلاحي يشجع المجرم على الإجرام ويبرره، والعدل أن المجرم يجب أن ينال العقاب على فعله، لأنه مسؤول عن جرمه، لكن درجة العقوبة يجب أن يلاحظ فيها الأسباب والظروف والدوافع التي دفعت المجرم للجريمة كذلك. فمهما كانت الظروف والملابسات المحيطة بالجريمة وفاعلها قوية، تبقى وصمتها عالقة بمن اقترفها، فالقول بالعقاب على المجرم وحده أو القول بالجزاء الإصلاحي، كلاهما فيه اعتراف ضمني بمسؤولية المجرم عن جريمته، وتلك الظروف المحيطة بفعله جانب يتطلب تحديد مستوى المسؤولية فيها ودرجة العقوبة لكل أطراف الجريمة.