كانت العقود الثلاثة الماضية هي الأفضل في التاريخ على الإطلاق، حيث يتمتع بفضلها الآن مزيد من الناس في كثير من الأماكن بحياة أفضل من أي وقت مضى. وليس هذا من قبيل الصدف، وإنما لأن ما حدث في الأجيال الأخيرة لم يكن صراع حضارات، وإنما كان اندماج حضارات. وببساطة أكبر، أصبحت لدى الحضارات العالمية الكبرى، التي كانت لها هويات منفصلة ومستقلة، مناطق تزداد تداخلاً واندماجاً باطراد من القواسم المشتركة. وأصبحت لدى معظم الناس في جميع أنحاء العالم الآن نفس تطلعات الطبقات الوسطى الغربية. إنهم يريدون أن يحصل أولادهم على تعليم جيد، وأن يستقروا في وظائف جيدة، ويعيشوا حياة سعيدة ومنتجة كأعضاء عاملين في مجتمعات سلمية ومستقرة. ذلك، وبدلاً من الاكتئاب، ينبغي أن يكون الغرب بصدد الاحتفال بنجاحه الهائل في حقن العناصر الرئيسية من رؤيته العالمية في تكوين الحضارات العظيمة الأخرى. يضم العالم الإسلامي، من المغرب إلى إندونيسيا، نحو 1,6 مليار نسمة، أكثر من 1 من كل 5 أشخاص على كوكب الأرض. وتتقاسم الأغلبية العظمى منهم الطموحات العالمية المشتركة لتحديث مجتمعاتهم، وتحقيق معايير معيشة الطبقة الوسطى، وعيش حياة سلمية منتجة، ومُرضية. وعلى العكس مما يؤكِّد البعض، يتوافق الإسلام تماماً مع التحديث. وعندما بنت ماليزيا أبراج "بتروناس" وبنت دبي "برج خليفة"، فإنهما لم تكونا تنشآن هياكل مادية وحسب، وإنما كانتا ترسلان أيضاً رسالة رمزية "إننا نريد أن نكون جزءاً من العالم الحديث في جميع الأبعاد". وقد قامت العديد من المجتمعات الإسلامية بتعليم نسائها. وفي الجامعات الماليزية، يفوق عدد النساء الرجال بنسبة 65 إلى 35%. وقد بدأت بعض البلدان الإسلامية في احتضان التحديث واعتناقه، فعلى سبيل المثال، تضم بعض البلاد العربية الآن فروعاً من الجامعات الغربية الكبرى. وكان أحد أسباب هذا التحول هو أن التجربة في مناطق أخرى، مثل آسيا، أظهرت أن التحديث لا يعادل التغريب، وأن من الممكن متابعة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، في حين تحتفظ المجتمعات بخصائصها الثقافية المميزة. وعلى الرغم من عناوين الصحف اليومية التي تصرخ بالشؤم والبوار، فإن العالم يتقارب في الواقع ويتجمع معاً، ولا يوشك على الانهيار. وحتى الآن، كان الدافع وراء انصهار الحضارات في المقام الأول هو حقن الحمض النووي للحضارات الغربية في جينات الحضارات الأخرى. وبمرور الوقت، من المرجَّح أن يذهب تدفق الثقافة والأفكار في كلا الاتجاهين. في القرن الـ21، سيُحكم العالم بسلطة الأفكار أكثر مما يُحكم بفكرة السلطة. وباختصار، يبدو الاتجاه التقدمي للتاريخ البشري، الذي رفع حالة الإنسانية إلى آفاق لم يسبق لها مثيل، مبشراً لمواصلة الطريق.