موضوع آخر في النشرة تطرق للون شعبي تونسي، وموروث يسمى (السطمبالي)، الذي يخشى عليه الشعب التونسي من الإندثار، بعنوان (السطمبالي موروث فني مهدد بالإندثار.. على أمل تسجيله على قائمة التراث غير المادي). يسود الاعتقاد أن السطمبالي هو نوع من الفنون الفلكلورية التي تقتصر على تنشيط الشوارع في التظاهرات الثقافية بالمدن إلا أن هذه الفنون الاحتفالية في ظاهرها تروى في باطنها قصصاً ومعاناة لفئة بشرية لطالما كبلت أرجلها السلاسل والأصفاد وما هذا النمط الفني إلا محاكاة لقرقعة سلاسل العبودية ورنين الأصفاد وطرق الحديد. يروى الشاذلي البيدالي أو ما يصطلح على تسميته "الينا" قائد المجموعة الموسيقية بعضاً من التفاصيل حول نشأة السطمبالي في تونس قائلاً : إن المورخين اختلفوا في تنسيب هذا النمط الفني فمنهم من ينسبه إلى الآغا السطمبولي في حين يرجعه أغلب الباحثين في التراث الموسيقي إلى أصوله الافريقية واقترانه بتجارة الرقيق. ويقيم البيدالي الدليل على الأصول الافريقية للسطمبالي بوجود أنماط موسيقية أخرى مشابهة كالديوان في الجزائر والقناوة في المغرب. ويضيف اليينا الشاذلي البيدالي وهو ابن الفقيد اليينا حمادي البيدالي الذي توفي منذ أسابيع أن أواسط القرن التاسع عشر شكلت منعرجاً ايجابياً في حياة الأفارقة القادمين إلى تونس حيث مثل إلغاء بيع الرق بالبلاد التونسية سنة 1846 في عهد أحمد باى بداية لاستقرار ذوي البشرة السوداء بتونس وازدهار موسيقى السطمبالي التي اتخذت أشكالاً روحية وطقوسا صوفية، فيما بعد امتزجت فيها الايقاعات الافريقية بالهوية التونسية وخلقت نفساً موسيقياً فريداً ظل لعقود الطابع الاحتفالي لسكان البلاد في حفلات الزفاف وختان الأطفال وتقاليد الأفراح مثل الزردة وغيرها. لقب "اليينا" تتناقله الأجيال وفق ما أوضح لـ (وات) الشاذلي البيديالي لافتاً الإنتباه إلى أن موسيقى السطمبالي تقوم على التوريث وقد شبه في حديثه هذا التوريث بالطقوس التي يتبعها الملوك في نقل الحكم لابنائهم. وأضاف قائلا: لكي تستمر العائلة على رأس المجموعة الموسيقية يقوم الأب بتربية ابنه على العزف على آلة القمبرى ويأخذه في الحفلات التي يحييها ليعلمه عديد الطقوس لتي ينبغي على اليينا التفرد بها بوصفه قائد المجموعة. وتشكل القمبرى والشقاشق والطبلة أهم الآلات الموسيقية الموثثة لعروض السطمبالي وهي آلات تصدر نغمات مختلفة لاختلاف مواد صنعها فالقمبرى آلة وترية وإيقاعية يختص اليينا في العزف عليها وأما الشقاشق فهي عبارة عن صفائح من معدن النحاس وتحاكي في نغماتها أصوات الاغلال وطرقات الحديد التي كبلت العبيد منذ قرون في رحلتهم نحو شمال افريقيا. وينشد فريق السطمبالي أغان تتضمن كلمات غير مفهومة يسمونها بـالعجمي على غرار جاوايي و غالديما و كاروجيا وكثيراً ما كانت هذه الموسيقى تودى وظيفة علاجية روحية بالأساس حسب البيدالي . وإلى جانب العجمي تنشد مجموعة السطمبالي أذكارا ونوبات موسيقية باللغة العربية تتضمن مدائح للأنبياء وتكون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مستهل هذه الأذكار. أما عن بقية النوبات باللغة العربية فقد ذكر منها البيدالي نوبة سيدى منصور، وسيدى سعد، وسيدى عبد القادر وللا ماليكا . ورغم العمق التاريخي والثراء المرجعي لموسيقى السطمبالي إلا أنها بقيت في تونس مرتبطة بالطابع الفلكلورى حيث تقتصر على تنشيط الشوارع وكرنفالات التظاهرات الثقافية الصغرى منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي وفق ما ذكره البيدالي بعد أن عرف هذا النمط الموسيقي أوجه إلى حدود بداية الثمانينات وسجل حضوره في المناسبات الاحتفالية والدينية الكبرى . إلا أن هذا النمط الموسيقي اليوم مهدد بالاندثار مما يقتضي مشروعاً جدياً لإعادة احيائه نظراً لطابعه التراثي التقليدى. // يتبع // 18:24ت م spa.gov.sa/1505067