قبل تأكيد صاحب السمو الملكي الامير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر حفظه الله وأبقاه ذخرا لهذا البلد، على أن حقوق المتقاعدين محفوظة، ومكتسباتهم التي حققتها لهم الحكومة مصانة، دارت أحاديث كثيرة مستخفة وشديدة الإيلام عن استحقاقات المتقاعدين، وعن مستقبل مجهول ينتظرهم، حتى بدا من تلك الأحاديث أن حكومتنا الرشيدة ليست على تماس مع نبض الشارع، وكان يراد لهذه الأحاديث أن تكون كذلك. وكان كل يدلي بدلوه في هذه الأحاديث المنفلتة ويغني على ليلاه. كان للإشاعات نصيب وافر في هذه الأحاديث، ومعروف أن في مثل هذه الأجواء من المألوف أن يندس على الخط المتربصون بالأمن القومي وهم من بقايا جماعة الدوار والجمعيات المذهبية بقيادة جمعية الوفاق ليقولوا ما يحلو لهم بهدف الشحن والتحريض ظنا منهم أنهم سنالون من الحكومة. ساعدهم في ذلك، مع الأسف، الصمت الحكومي المطبق والطويل الذي رافق تلك الإشاعات. أنا كموظف في القطاع العام، وتحديدا في وزارة التربية والتعليم كنت أشاهد وأسمع واستشعر حالة التململ لدى الموظفين- وقسم منهم كانوا من المعلمين -إزاء ما يثار والقلق من أن يصبح هذا الكلام واقعا يداهمهم على حين غرة، فسارع بعضهم في تعجيل طلب التقاعد ليستفيد من المزايا الحالية. حالة الهلع هذه لم تكن لتستثني أحدا، وخصوصا أولئك الذين قضوا سنوات شبابهم وكهولتهم في خدمة بلادهم من مواقع عملهم. والمعلمون هنا لم يكونوا استثناء. في سياق حالة الهلع السالفة، كتب النائب البرلماني السابق مقالة عرمرمية خلط فيها الحابل بالنابل جريا على عاداته اللاحميدة في تفريغ شحنات العدائية التي تملؤه من مواقف وطنية اتخذتها الوزارة إزاء جمعية المعلمين المنحلة، ولينفس فيما يكتب عن عقدة مزمنة أصابته تجاه هذه الوزارة، ويعيد ويكرر ما دأب عليه في تناولاته فيما يتعلق بالإجراءات التي بح صوتنا ونحن نصفها بالإدارية الصرفة لوزارة التربية والتعليم، وهو يصر على تسميتها بالسياسة الـ تمييزية. وقبل أن نناقش ما تناوله في مقاله الأخير الذي نشره بعنوان كثير من المعلمين والمعلمات يتقدمون بطلب إحالتهم للتقاعد... لماذا؟ ولا يغرنك عزيزي القارئ وضعه أداة الاستفهام لماذا في عنوان مقاله، وإن آخر اسم الاستفهام طلبا للإثارة والتشويق؟ فهو سؤال ستجد إجابته الأثيرية عنه عندما يتم الخلط لديه في الحديث بين ما يعتقد أنه تمييز وبين الواقع، بل إني أراهن أن أغلبكم يكاد يرى ما سيكتبه النائب السابق بمجرد قراءة كلمة معلمين ومعلمات، لأن لكاتبنا أفكارا جاهزة صالحة لكل زمان ومكان شريطة أن تكون على صلة ما بوزارة التربية والتعليم ولو من بعيد. كتب النائب السابق في شهر مايو الجاري وحده أربعة مقالات، ثلاثة منها لم تخرج عن موضوعه الأثير الذي لا ينفك يردده منذ خمس سنوات، وهو التمييز الذي يطال بعض المعلمين الذين لا يعرف أحد عنهم غيره. ما أعنيه هنا أن كل مقال يأخذ من الآخر ولا جديد في هذه المقالات أبدا، ويمكنني هنا سرد قضاياه المدعات ضد وزارة التربية في الآتي: التوظيف، الترقيات، المكافآت، الحوافز، التحقيقات مع المعلمين، المعلمين الوافدين، الفصل والتوقيف عن العمل والاستقطاعات. ويضيف إلى ذلك أحيانا معهد التدريب. ولا أجد هنا ضرورة لآتي ببراهين تثبت عكس ما يدعيه، لأن الكاتب ببساطة مازال يعيش في فترة الدوار ولا يعلم أن مياها كثيرة جرت من تحت الجسر. ثم إنه على كثرة ما يدعي ويلقي باتهاماته جزافا لم يأت يوما بالدليل على اتهاماته فبقيت محض إنشاء مرسل على عواهنه لا منهج يحكمه إلا باطل يراد به تهييج ما بقي من خواطر منسوبة إلى جماعة الدوار أو متعاطفة معها. مقال واحد من هذه المقالات الأربعة شذ ليتحدث عن التفوق، في حركة لعب أدوار مع أمين عام جمعية الوفاق، فأخذ النائب السابق دوره ليخاطب الطلبة في فترة الامتحانات ليوحي بأن الطائفة مستهدفة في مستقبلها، وهذا منحى خطير من مسالك الطائفية والتمييز التي سكنت جماعة الوفاق وشقيقاتها. وهي، على أية حال، طريقة معروفة بهدف الإبقاء على جمرة التحريض متقدة تحت الرماد. في مقاله الأخير الذي وضع له النائب السابق عنوانا متسائلا بـ لماذا ولم يجب عنه، أو لم يدن منه على وجه الدقة، وإنما عرف الجزء المعروف من قانون التقاعد، وبعدها لف ودار، وشرق وغرب، ليعود إلى ذات التيمة التي لا يكف عن الحديث عنها، عاد إلى الـ التمييز! وهي تيمة تجاوزتها وزارة التربية والتعليم. فعن أي تحقيقات مع المعلمين يتحدث، وعن أي فصل أو توقيف لهم عن العمل أو الاستقطاعات. تلك كانت أمور إدارية فرضتها اللحظة المجنونة التي أجبلت عليها جمعية المعلمين المحتلة للمعلمين والتلاميذ أيضا. أما نظام الحوافز وعلى قدر معرفتي الشخصية من خلال محادثاتي مع المسؤولين فإنه لا يوجد معلم أو موظف في الوزارة مستثنى منه، وأن كل ما يقال هو ترديد ببغاوي اعتاد عليه البعض منذ خمس سنوات. اعتذرت لك قارئي الكريم مرات سابقة، وأعيد هنا اعتذاري، على تضييع وقتك الثمين في قراءة ما يمكن أن يكون قد قرأته في مرات سابقة. وأعدك أيضا أنني لن أتوقف، ذلك أن الكاتب والنائب السابق لا يبدو أنه في وارد أن يتوقف وسوف يعيد الحديث عن التمييز باعتبارها مفردة مجيشة للمشاعر، وأنا سأعيد الكرة لأنني مقتنع بأن وزارة يعتلي هرم هيكلها الإداري سعادة الدكتور ماجد النعيمي، لن ترضى التمييز بين موظفيها. لا نقول ذلك من باب الترف ولكن لو تمعنا في ما يبذله سعادته في تعزير المواطنة وحقوق الإنسان في المناهج، لأدركنا الجسارة التي يمتلكها في محاربة التمييز في الفضاء المدرسي، وفي كل مناحي الإدارات التابعة لوزارته. بقية حقيقة واحدة ينبغي أن يدركها الكل وهي أن كل ما يقال عكس ذلك ما هو إلا صدى الدوار المقبور. إذا خلاصة حديثنا هنا أن موجة التقديم للتقاعد أو التقاعد المبكر التي شهدتها بعض إدارات الموارد البشرية في وزارات الدولة كان سببها حالة الهلع. والحمد لله أن صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان وضع النقاط على الحروف وطمأن كل المشتركين في التقاعد بأن حقوقهم محفوظة، فانقشعت حالة الهلع هذه وساد الاطمئنان. فشكرا صاحب السمو الملكي على هذه الطمأنة الأبوية التي ألجمت بها أفواه السوء.