شهدت الصحافة معارك وحروبًا كثيرة بين أهل المهنة. منها ما كان جميلاً وممتعًا وضمن أصول القتال، ومنها ما كان بلا موهبة، وبالتالي، بلا طعم، ومنها ما كان سفهًا في سفاهة في ابتزاز. والنوع الأخير مارسته فئة من المتسلقين الذين لم يبلغوا الدرجة الثانية من أي سلم من سلالم الحياة، وعندما سقطوا عنها، لم يشعر بهم أحد، ولم يدرك أحد ما حدث. موجة ضباب سببها حريق من القش والتبن. وانقضت. شهدت صحافة مصر من الحروب والمعارك أكثر مما شهده غيرها. ومثل الحرب مثل السلم مثل أي شيء آخر في مصر، تميز الكثير من تلك الحروب بخفة الظل، خصوصًا عندما يستنفد المقاتل قاموسه الفصيح، ويلجأ إلى العامية، والكلمات المركبة، و«التعابير البلدي»، التي كان شاعرها الأكبر أحمد فؤاد نجم، المعروف بـ«الفاجومي». اسمع الفاجومي يرد على الأستاذ عادل حمودة (1999) الذي انتقده لقبوله التكريم الذي أقامه له رجل الأعمال الشهير نجيب ساويرس: «... أنا عارف إن الفاضي بيعمل قاضي. اليسار واليمين بيضرب أبقاق. وبيقول ده حلو وده وحش. طيب إيه رأي اللي هاجمني في أحوال مصر اليومين دول؟ هو بس نجم اللي سقط من القفة؟ إيه اللي حصل لما شربنا شاي وعصير في كبايات نضيفة في السينما بتاع ساويروس... إيه اللي حصل؟ البلد حصل فيها حاجة؟ المواصلات وقفت؟ قال بق مثلاً عن قانون الطوارئ. لو عندهم قضية تشغلهم ما كانوش عملو كده». بدأ الخلاف بين الفاجومي والأستاذ حمودة عندما أقام ساويرس حفلاً تكريميًا للشاعر الشعبي بمناسبة بلوغه السبعين. ونشر حمودة مقالاً في «الأهرام» بعنوان «الجياد لا تباع في السوبر ماركت». والمقال عتاب رجل محب ومعجب بالشاعر، وليس فيه كلمة سوء واحدة، بل الإعجاب والمزيد من الإعجاب والولاء. فقط الاندهاش لأن الفاجومي انتقل من الطبقة الشعبية والبيت المتواضع إلى العلاقة مع كبار الأثرياء و«الرأسمالية الجديدة». و«انقلب من شاعر يحطم أصنام السياسة إلى شاعر يغني على ربابة، وينسى أنه كان يقتسم مع البسطاء أفراحهم وأتراحهم، ليقبل تكريمًا في ملهى ليلي بمناسبة عيد ميلاده السبعين، ويبدو بجلبابه الشهير في هذا المكان الغريب وكأنه في حفلة تنكرية (...) أشعاره كانت تعيش على الفول والعدس، لا على الفواغراه والسومون فوميه (...). كانت حارته حارة حوش قدم تسع العالم كله (حارتنا مجاري وناموس... مراية وفانوس... حجارة وكراسي... شباب ع النواصي... مساء تموت صباحًا تفوق... قديمة وغبية لبيبة وصبية)». ولم ينسَ حمودة أن يلاحظ أن نجومية «أبو النجوم» فاقت نجومية نزار قباني، وأن الذين اختلفوا على أشعار نزار اتفقوا على شعر النجم.