هذه آخر صيحة في مدرسة السياسة. لا تقل إنها في العالم العربيّ صيحة في وادٍ غير ذي زرع. الذين يدّعون أن الزراعة فاشلة في البلاد العربية، يتجاهلون أيضاً أنها أخصب أرض لزراعة المؤامرات والدسائس والفتن. أكثريّة كلّيات العلوم السياسية لا طائل من ورائها، لأنها تدرّس أساطير أبعد من الخيال والأوهام، كالديمقراطية والحريات والمجتمع المدنيّ والفصل بين السلطات والعقد الاجتماعيّ، ويتخرّج الطلاّب،فيكتشفون أن المناهج ضحكت من ذقونهم، وأنهم خزّنوا في طوامير جماجمهم بذوراً، بينما الأراضي بور في وادٍ غير ذي زرع. الخبر الذي نشرته صحيفة الإندبندنت (25 مايو) يهزّ الصخر، ويجعل الدماغ يزهد في كل مناهج العلوم السياسية: عشرون ألف نحلة التصقت بسيّارة، لمدة يومين كاملين متسمّرة لم تغادرها، لأن ملكتها كانت محبوسة فيها. لمثل هذا يقال نظام، ويخجل أيّ نظام إذا لم يكن هكذا، فالنظام الجيّد ضرورة وجوديّة، وعلاقة متبادلة تلقائية، وتلقائية حيويّة عضويّة لم تملها الإيديولوجيات والأحزاب، وإحساس بالمسؤولية نابع من الذات. شعور بأن نظام الحياة يختلّ وينتفي وينهار إذا لم تكن القمة والقاعدة في وحدة واحدة. علينا ألاّ نظلم العقل العربيّ، فمناهج العلوم السياسيّة لدى النحل راسخة منذ أكثر من مئة مليون عام، في حين أن تدريس هذه المادّة في عالم العرب لا يزال بالقياس في القماط، لم يبلغ قرنه الأوّل في بيئات متخبّطة لم تكتشف بعد الزراعة، ولا تزال تتعثر في جمع الغذاء، ولكنها ماهرة في الحصول على الطعام مقابل تمكين الأقوياء من نهب النفط. للإنصاف، لدى أنصاف العقول، سخّرت أنظمة عربية عدّة جهودها في عقودها لتجربة ما لا تجرّبه الأنظمة المتقدمة: تحقيق الأهداف عن طريق المحال،الإصرار على الوصول إلى التنمية عبر فرض التخلف،الإيهام بنشر الديمقراطية من خلال الاستبداد والفساد الإداريّ والماليّ والقضائيّ والانغلاق. والنتيجة غير مفاجئة: الطلاق بثلاثة الآلاف بين القمة والقاعدة. عندئذ لا تدع العشرون ألف نحلة ملكتها تصل حتى إلى الانحباس في سيّارة. تستطيع نخبتها مثلاً أن تدعو النحل الأمريكيّ إلى احتلال الخليّة والتكرّم بالتحرير إلخ. لزوم ما يلزم: النتيجة التعليمية: تبقى المعضلة الكبرى، ألا وهي جلوس العالم العربيّ في قاعة واحدة، لأخذ دروس العلوم السياسية على نحلات مُعارة من بريطانيا.لا شك في أن النحل العربيّ غير صالح لهذه المهمّة. عبد اللطيف الزبيدي abuzzabaed@gmail.com