استطلعت دراسة حديثة أجرتها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد نزاهة، بعنوان الفساد المالي والإداري في الجهات الحكومية الخدمية آراء عينة عشوائية بعدد (1254) من الموظفين والمراجعين، وذلك في ثلاث مناطق بالمملكة هي؛ منطقة الرياض، والمنطقة الشرقية، ومنطقة مكة المكرمة. وهدفت الدراسة إلى قياس درجة النزاهة والفساد المالي والإداري في الجهات الحكومية الخدمية، وتحديد أنواع الفساد ومستوى انتشاره، والتعرف على أهم الأسباب التي ساعدت على انتشار الفساد في القطاعات الحكومية الخدمية، وعلى أهم التحديات التي تواجه المجتمع السعودي, وتقييم جودة الخدمات التي تقدمها بعض القطاعات الحكومية الخدمية. وقد بيّنت الدراسة أن الفساد يعتبر من بين التحديات الأبرز للمجتمع كقضايا تعاطي المخدرات، والإرهاب، ومشكلة الإسكان، والبطالة، والفقر. وتبين من خلال الدراسة أن الواسطة جاءت أكثر أنماط الفساد انتشاراً في القطاع الحكومي الخدمي بحسب (62.91%) من المشاركين في الدراسة، وتأتي اللامبالاة بالعمل في المرتبة الثانية بنسبة (19.36%)، تليها الرشوة، في حين أن الاختلاس والتزوير يتذيلان القائمة كأقلّ أشكال الفساد. وأشارت الدراسة وفقاً لنتائج العينة أن ضعف الوازع الديني والأخلاقي، هو أحد أهم الأسباب التي ساهمت في انتشار الفساد المالي والإداري في القطاع الحكومي الخدمي، يليه تباعاً عامل ضعف أداء الجهات الرقابية والقضائية، والتساهل في تطبيق العقوبات النظامية، ووجود أنظمة إدارية ومالية معقّدة وقديمة، وغياب الشفافية (عدم الإفصاح عن المعلومات المتعلّقة بإجراءات وقرارات الجهات الحكومية الخدمية)، وحصل عامل القبول الاجتماعي لبعض مظاهر الفساد على أقلّ نسبة. وقد تبيّن أن التجربة الشخصية تُعدّ المصدر الأكبر لمعلومات المبحوثين حول ظواهر الفساد في القطاع الحكومي الخدمي، ويمثل ذلك ما نسبته (41.5% ) من العينة، وهو ما يعطي دلالة على معاناة العينة من الفساد شخصياً، أكثر من كونه حديث يتم تداوله في المجالس ووسائل التواصل الاجتماعي، أما المصدر الثاني للمعلومات حول ظواهر الفساد فكان حديث المجالس بنسبة (26.20%)، ثم وسائل الإعلام بنسبة (16.68%)، وأخيراً شبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي. ورأت (29.04%) من عينة الدراسة أن ممارسات الفساد تحدث في المستويات الإدارية الوسطى، حيث تتركّز مُعظم العمليات الإدارية التنفيذية، بينما يعتقد (22.85%) أن التجاوزات المالية والإدارية تحدث في المستويات الإدارية العليا، وبالمقابل يعتقد قلة من المبحوثين أن التجاوزات تحدث في المستويات الإدارية الدنيا. وأشارت الدراسة إلى أن (39.20%) من عينة الدراسة يرون أن الآونة الأخيرة قد شهدت تراجعاً في درجة الفساد، في حين يرى (19.68%) من المبحوثين أنها ارتفعت، وبالمقابل يرى (19.92%) من عينة الدراسة أنها لم تتغير. وقدمت الدراسة عدداً من التوصيات منها، إعادة النظر بجدّية في الإجراءات المناسبة للحد من ظاهرة الواسطة، لا سيما أن لها أبعاداً كبيرة ولاحقة على بيئة العمل الحكومي، كما أوصت بضرورة تكثيف الحملات التوعوية التي تعني بتقديم المعلومات الضرورية حول مخاطر الفساد المالي والإداري، وكيفية اكتشافه، والإبلاغ عنه، مع مراعاة تنويع الوسائل التوعوية بصورة ملائمة للوضع الاجتماعي، كما أكدت الدراسة على إعادة النظر في عقوبات جرائم الفساد المالي والإداري، حيث أن أكثر الإجابات كانت تؤيّد بشدّة العقوبات المالية العالية، بالإضافة إلى ضرورة العمل على تشجيع الجهات الحكومية الخدمية على تفعيل الحكومة الإلكترونية؛ لتسهيل الإجراءات وسرعة تقديم الخدمة، وحث تلك الجهات أيضاً على إجراء دراسات سنوية؛ لتحديد مكامن الخلل والقصور في نفس الجهة. واتفقت نتائج هذه الدراسة إلى حدٍ كبير مع نتائج الدراسة التي قامت بها نزاهة عام 1435هـ، بالتعاون مع معهد الملك عبدالله للبحوث والدراسات الاستشارية في جامعة الملك سعود. يذكر أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد نزاهة تجري من وقت لآخر دراسات وبحوث-فضلاً عن دعم إجرائها- في مجال حماية النزاهة ومكافحة الفساد، وذلك تنفيذاً لما نصت عليه الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد وأهداف واختصاصات الهيئة بشأن دعم و إجراء الدراسات والبحوث المتعلقة بحماية النزاهة ومكافحة الفساد.