×
محافظة الرياض

المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية تعلن عن وظائف شاغرة

صورة الخبر

تبدأ القصة من الكتاب العربي الذي لا يصل إلى توزيع واسع إلا في حال شُهرة المؤلف، فمن السهولة أن تجد مؤلفات أحلام مستغانمي في المشرق، أو إصدارات نزار قباني في المغرب، لكن لن تجدَ هذه المساحة متاحة لمؤلف مبدع له عدة إصدارات، وسنوات من الإنتاج، لأسباب تتعلق إما بظرفهِ السياسي/الاجتماعي أو لكونهِ لا يرى في الانتشار والتوزيع غاية بقدر اهتمامهِ في الإنتاج، والتعبير عن مكنونات نفسه. عدد النسخ المعدة للطباعة، كانت في السابق، وقت ما كان الحراك الثقافي العربي على أشدهِ، خمسة آلاف نسخة، وهو رقم متواضع لو قورنَ بدول أمريكا اللاتينية التي طبعت فيها فنزويلا لوحدها مليون نسخة من رواية (دون كيشوت) لسرفانتس. وعلى العكس من كراكاس، تلجأ دور نشر عربية اليوم إلى طباعة مئات من النسخ للكتاب الواحد، فيما يكون المعلن – إعلان وهمي – ألف نسخة، وذلك سعياً من دور النشر إلى خفض التكلفة إلى هامش بسيط يرتفع فيه الربح. ومن الحيلِ أيضاً، أن الإصدار الذي يحقق طلباً في السوق، فإن الناشر، يلجأ إلى طباعته بإصدارات إضافية، ليواكب عملية الربح، وقد يلجأ في سبيل إرضاء المؤلف، إلى تنظيم حفل توقيع لهُ، احتفاءً بما حققهُ من ربح. المعادلة السابقة تَطْرَحُ إشكاليةً كبيرة، إن كانت هنالك (ثقافة نشر) عربية، أم صناعة وتجارة تستخدم فيها الحيل لتحقيق الأرباح بعيداً عن المعايير الأخلاقية والضوابط المتعارف عليها عالمياً. نعم؛ هنالك دور نشر عربية عريقة لها حضور عالمي، وإصدارات تستحق أن تقتنيها المكتبات، لكن هذه الدور، من القلةِ في محيط النشر، لدرجةِ أنها لا تمثلُ ثقلاً وتياراً واسعاً. وفي سياق الحيل المتبعة، تعمد بعض دور النشر إلى إيهام المؤلفين أنها شاركت في هذا المعرض، أو ذاك، وحقيقة الأمر أنها حين شاركت لم تعرض كل ما طبعته، إذ تركت الكثير من الإصدارات في المستودعات، يعلوها الغبار، وتخنقها الرطوبة، وما شاركت به لم يكن إلا عدة إصدارات لعددٍ من المؤلفين ممن حقق الشهرة، والانتشار، أو لمؤلفٍ يمتلك علاقات وروابط قوية بالناشر. يتباكى الناشرون، ويحتجون على وضعِ النشر، والتوزيع، وما يسمونهُ تضييقاً في مرور الكتب والعناوين من دولةٍ إلى أخرى، وتكاليف الطباعة، والنقل، والتخزين، والعرض، وقلة الطلب، وكل ذلك في سبيل إقناع المؤلف أن ما يقومون بهِ من أجلهِ وخدمةً منهم للثقافة.. لذا فإن المطلوب منه في المقابل، دفع أعلى كلفة تصل بحدها الأدنى للكتاب الواحد – قرابة المئة صفحة، القطع الوسط – ألف دولار. وما عزز الوضع السابق، وجود البديل السايبيري الذي زحف على المساحات الورقية وأحالها إلى التقاعد، فلم يعد شراء الأعمال الكاملة، أو الناقصة، لمؤلف بحاجةٍ إلى زيارة دور النشر، لأن كل ما هو مطلوب موجود ومتوافر في الإنترنت، ليقتصر الشراء على حالات بعينها؛ في الدراسة الجامعية ولغايات البحث العلمي. وفي حال التسوق من معارض الكتب، كأي تسوق من مركز تجاري، البعض يشتري الموسوعات، والإصدارات الفخمة ليزين بها مكتبته الأنيقة كشكل مكمل لديكور المنزل الداخلي. وبناءً على هذا الوضع، الذي يمكن وصفهُ بالمعتل، فإننا إزاء مشكلة عميقة تتعلق بثقافة النشر، التي تحتاج إلى تصويب، وإعادة تقييم وقراءة بعين فاحصة لمكامن الخلل فيها، وعلى الطرف الآخر هنالك ثقافة تأليف معتلة أيضاً وتحتاج لمعالجة، إذ أصبح بعض المؤلفين يلجأ إلى الكتابة وفق القاعدة الذهبية (ما يطلبهُ الجمهور)، أي الأكثر حضوراً في السوق، وربما تكون من بين تلك كتيبات الطبخ والفلك وكتب التوليف الموسوعية التي تقوم على الجمع. ما سبق، حكاية عامة تجمع المشرق على المغرب، مع تعديلات بسيطة تقتضيها البيئة المحلية لكل دولة، وفي الإطار العام، نجدُ أن المشرقَ يحتاج إلى تفعيل تواصلهِ بين دولهِ، قبل أن يمد جسور التواصل مع المغرب، الذي هو الآخر بحاجة إلى ذات العملية، على أن التواصل بين المشرق والمغرب؛ جناحي الوطن العربي الكبير، يفترض فيه أن يكون عملية طبيعية تلقى الدعم والتشجيع من القطاعين الحكومي والأهلي. لكن ما يحدث في معارض الكتب، في المشرق والمغرب، أنها تكون، في كثير من الأحيان، ملتقيات للتعارف، وللقاء الأصدقاء الذين فرقتهم الجغرافيا، ولتعريف هؤلاء الأصدقاء، وبعض الجمهور المحلي من النخبة، على أحدث الإصدارات، وتبادل الآراء حولها.