قد لا يعرف الجيل الجديد من صنّاع الدراما العربية جوزيف نانو، الممثل السينمائي والتلفزيوني اللبناني الذي رحل أخيراً في مستشفى من مستشفيات السويد عن ثمانين عاماً. ربما يمكن التكهن بذلك لأن النجم الراحل ينتمي الى مرحلة مختلفة وهو قد توقف عن العمل تقريباً قبل حوالى عقدين، ما يعني أنه لم يرافق هذه الفورة الإنتاجية التائهة بين واقع عربي دامٍ، ولعبة رأس المال التي تتفنن في دوراتها المجزية. في الأيام التي سبقت هذا الصعود الدرامي، لم يكن جوزيف نانو يضيع الوقت في حفظ أدواره التي تعهد اليه. بل إن إجادته اللغة العربية إجادة مدهشة، وقدرته المميزة على النطق بها، تحولت الى نقمة عليه بعدما استغرقته في دبلجة أفلام الرسوم المتحركة، واكتفى بها بعدما تردت أحوال الصناعة الدرامية اللبنانية وهجرته القسرية مع عائلته الى السويد هرباً من الحرب اللبنانية نهاية عقد السبعينات من القرن العشرين. الآن قد يعرف الجيل الجديد من صنّاع الدراما العربية على عجل أن اسم جوزيف نانو قد ارتبط نهائياً بشخصية «شرشبيل» كاره السنافر، وهذا يعني أن مجده التلفزيوني في عز تألق تلفزيون لبنان والمشرق قد طوي لحساب هذه الشخصية المحببة لدى الأطفال. ليس هذا انتقاصاً من عمل كارتوني أحبه الكبار قبل الصغار. ربما يعيد علينا «شرشبيل» بهذا المجاز أحوال بشر كثر وهم يتصارعون بلانهاية، ويأخذ كل فرد من المتصارعين ما يفيده أو يعوزه ويحسن في آدائه الحياتي. هذا قد يبدو صحيحاً في مرآة بعضهم، لكن جوزيف نانو الذي أتقن العربية من أجل إعلاء الزهو الدرامي التلفزيوني الذي عرفناه في مسلسلات كثيرة لم يكن يتصور أن يلتصق به هذا اللقب من دون غيره، حين رثته الصحف وبعض وسائل الإعلام على حياء وجمعت اليه أوصافه الكارتونية التي أسبغ عليها بصوته تلوينات وجماليات دفعت لمتابعة هذه الأفلام، وظلت تتردد بين المشاهدين، وكأنها أصبحت جزءاً من حياتهم اليومية، وهم يتدافعون لتبادل ألقاب السنافر وعدوهم الأبدي «شرشبيل»، وكأن الناتج الدرامي من هذه المجازات كان ينقصه فقط صوت جوزيف نانو. أما وقد توقف قلبه أخيراً في البلد الذي لجأ اليه، فإن الجيل الجديد من صناع الدراما التلفزيونية الذي تأخذه «لوثة» التقنيات الجديدة عليه أن يدرك مدى الخسارة الجسيمة التي تعرض لها جسم هذه الدراما برحيله، ولو أن جوزيف نانو قد توقف عن العمل منذ فترة طويلة الى حد ما. مع رحيل أحد نجوم مسلسلات تلفزيون لبنان والمشرق يمكن القول أن صفحة تنتمي الى زمن بعلامات فارقة قد انطوت، وصار مهماً القول في تذكرها أن التلفزيون لا يرحم بعلاقته مع نجومه، وقد يغدو صحيحاً القول أن هذا الجهاز المشاغب اللاهي، بلا ذاكرة حتى مع أقرب الناس الذين ينتمون اليه.