×
محافظة المنطقة الشرقية

إدارات حكومية تعمم بلزوم «المراسلات تقنياً»

صورة الخبر

عندما تتصفح سير البعض، تتساءل من أي شيء خلقوا؟ وكيف لهم أن أصبحوا هكذا؟ لماذا هم بيننا ولا نرى مثلهم كثيراً؟ الدكتورة سامية العمودي امرأة بمجتمع، بل إنها عالم وكون فسيح صنع المعجزة من خلال رؤية وإرادة وصبر وبارقة أمل، وقوتها في كل أمرها قناعتها بأن الله معها ولن يخذلها. سامية العمودي هديتنا للعالم، بل للبشرية جمعاء، من خلالها تغيرت مسارات الكثيرات من النساء، ومن خلالها أصبح للحياة لون وردي يمنح التفاؤل والأمل. ضيفتنا صريحة ومباشرة، لذا الكل ينصت لها، ومن يختلف معها حتماً سيصافحها ويحترمها، لأن فكرها سوي ومستقيم، لا نزوة فيه ولا مكاسب خارج المشهد. تصر على أن المرأة عندنا على رغم كل القهر والتعب لا تزال تمنح الحب وبسمو، وأن من يتعبها ويضيق عليها، لا تزال تقدم له أجمل حياته. ترى ضيفتنا أن تعليمنا مخترق من فئة أحادية عبثت فيه وأخرجته عن مساره، وفي المقابل تجد أن فئة أخرى حرمتنا من الوسطية، وقادتنا للتطرف، وحرمتنا التعايش، وسمحت بخروج إرهابيين من بيننا، ونحن نتفرج عليهم. رغبة الدكتورة سامية في حل سياسي من خادم الحرمين لإلغاء ممارسات ولي الأمر الفظة تجاه النساء، وجعلهن مشلولات من دونه لأجل أن تشعر المرأة بأنها إنسان كامل لها وعليها ما كل أفراد المجتمع. حوارنا اليوم يمسك بحواسك، ويرحل بك لعوالم تعود من خلالها وقد أبصرت الطريق أجمل، وفهمت ما حولك واتخذت بعدها قراراتك الأجمل. فإلى نص الحوار: > ما السمو الذي أرهقك في حياتك؟ - محاولة السمو فوق آلامي وأزماتي وهي عدة، إذ كانت أولى أزماتي وفاة والدي وحرماني منه وأنا طفلة ثم أزمة الزواج والعقم وتأخر الإنجاب والطلاق ومحاولة لملمة جراحي كأنثى وأخيراً إصابتي بسرطان الثدي ومحاولة السمو فوق جراح البدن وفقدان الشعر والثديين وتغيير مناحي الحياة ومحاولة السمو فوق هذا الوجع كله.  > أي أعمدة حياتك شيدت عليها كل إبداعك؟ - أكبر أعمدة حياتي التي شيدت عليها إبداعاتي هي أعمدة الألم والأزمات المتكررة التي ارتكزت عليها لأقيم أعمالاً تحتوي جراحي وتصهر الألم وتحوله إلى منتج ذي عبق وحضور ومولود يخرج من رحم المعاناة. > مشوارك في الطب في عنوان مختصر؟ مشواري في الطب هو مشوار نضال وكفاح المرأة السعودية للوصول للقمة. > حتى أولادك تخصصوا في الطب، أهي العدوى أم شيء آخر؟ - لم يكن لي تأثير في خياراتهما، فعبدالله عشق الطب وكان محدداً في خياره منذ كان طالباً في المرحلة المتوسطة، لكن إسراء لم تفصح عن هذا الهوى في داخلها حتى ظهرت النتائج التي أهلتها للالتحاق بالطب بمجهودها. لكن قطعاً العدوى واردة فهما كبرا في أحضان طبيبة ترى في الطب إنسانيتها وباب أجر مفتوحا فدخلته وكبر ابني وابنتي وأمهما تمسك المشرط وتستقبل المواليد كل ساعات اليوم، ويستمعان للحكاوي ويذهبان معها لعيادتها ويشاهدان جو المستشفى فمن الطبيعي أن تصيبهما العدوى.  > كونك طالبة مثالية أكثر من مرة، ألا يجعل التمرد يغادرك؟ - لا أبداً، ففي داخلي امرأة متمردة، تتمرد على ما ينافي العقل، وتظل داخل سياج المثالية، وهذه تزيد العبء والمسؤولية. > ناشطة عالمية، هل تحبين هذا الوصف عنك؟ - نعم أحبه فهو يعني أن صوتي عبر الحدود وكسر حاجز الصمت، وقال للنساء في مشارق الأرض ومغاربها: «نحن مثلكن همومنا الإنسانية مشتركة»، وسرطان الثدي قضية طبية إنسانية تحمل همومها كل نساء العالم، وأيضاً أصبحت هناك جسور نعبرها لنكتسب من خبراتهن، وتمت دعوتي لمراكز السرطان وجامعة هارفارد وغيرها، وأصبح صوت المرأة السعودية حاضراً ومشاركاً بقوة.  > إصابتك بالسرطان فتحت لك أبواب خير كثيرة، كيف تقرئين الأمر؟ قرأته في الإصابة الأولى وكتبت أنه رسالة حب من الله، وأنه لحكمة أجهلها وبعد مرور تسعة أعوام زارني ثانية، فشعرت بأن الحكمة تقول: إنني أحمله في خلاياي لأترجمها رسائل حب وتمكيناً صحياً وزيادة وعي ودعماً للنساء في وطني.  > ضربتان في الرأس توجعان، فما بالك بإصابة بالسرطان مرتين، كيف لك بتبديد هذا الوجع؟ - آه يا وجعي، وكيف لي أن أنكر وجعي وإنسانيتي لكنني أزيد من جرعة الرضا والصبر التي أتعاطاها وأعالج الوجع بمزيد من العطاء والعمل وأجد في ذلك العوض كل العوض.  > كونك أشجع امرأة في العالم، هل ما زلت تخافين من شيء ما؟ - عندما أصبت في المرة الأولى كان خوفي أن أرحل عن هذا العالم وأترك ابني وابنتي وأنا لهما الأم والأب ودعوت الله أن يمنحني خمسة أعوام فقط فسألوني لماذا خمسة قلت لتكبر صغيرتي وتصبح أكثر قوة على مواجهة الحياة هي وعبدالله بعدي هل ما زلت أخاف الرحيل سبحان الله نعم أخافه اليوم لكن خوفي أن أصل إلى رحاب الله وأنا خاوية الوفاض وأرجوه الرحمة والرأفة وقبول أعمالي الضئيلة.  > رغبتك في الأمومة هل فرضت عليك قرارات أصعب؟ - نعم هذا حقيقي فالدخول في مراحل علاج العقم عملية مرهقة نفسياً وعاطفياً ومجتمعياً وصحياً، ونسب النجاح ذاك الزمن لم تكن مثل الآن، إذ مررت بمضاعفات أدخلتني العناية المركزة لعشرة أيام كدت أفقد فيها حياتي، لكن شوقي للأمومة كان أكبر، فلم أتردد في الدخول مجدداً في تجربة العلاج الأكثر صعوبة وهي تقنية أطفال الأنابيب.  > لماذا الحب، يجعل المرأة أضعف؟ - الحب يجعل الإنسان أضعف وليس المرأة فقط فالنبض واحد والمشاعر واحدة وما يجعلك أضعف قوة الحب الضاربة جذوره في أعماقك وعمق الحنان في داخلك لكن الحب الذي يجعل المرأة أضعف هو حب الأبناء فعاطفة الأمومة غريزة وقوية وسر تميز الأنثى، لذا تجدها تضعف وتصبر وتتحمل قسوة العلاقة والحياة فقط من أجل أبنائها.  > عندما تحب الزوجة، لماذا تنسى نفسها أكثر؟ - لأن تكوين المرأة مختلف، فهي عنوان العطاء وهي عنوان التضحية وتجد في إغداقها على من تحب لذة واكتفاءً، وتطفو خصائص الأمومة والعطاء فتعطي من ذاتها لغيرها وتنسى ذاتها في هذا الغير، وهذا ليس ضعفاً بل سر من أسرار قوتها.  > زواجك الثاني كان الحب كله لكن فشل، أين الخلل؟ - كان الحب كله ولكن لم يفشل، إذ خرجت من التجربة وبيدي رأس مالي عبدالله وإسراء فكيف يكون فاشلاً وقد خرجت بهذه الثروة الأهم، قد يستمر الزواج لآخر العمر ونخسر كثيراً من مشاعرنا وقد نختار الانفصال في مرحلة ما وفي القلب بقايا عشرة وهذا نجاح أيضاً.  > على رغم تعدد كتبك، لكن كتابك مذكرات امرأة سعودية هزم كل النتاجات ونال القبول كله، ما السر هنا؟ - السر ببساطة أنه قصة كل امرأة من جيلي جيل الثمانينات، ولأنه قصة كل أنثى عاشت إرهاصات الحياة وعانت وعبرت فوق جراحها لتبني لنفسها شيئاً، ولأنه يحكي تجربة ذاتية حقيقية لا رواية يمتزج فيها الواقع بالخيال. فوجد فيه القارئ نفسه في مرحلة ما من المراحل التي يتشابه فيها البشر، وكان الكتاب وثيقة توثق لحقبة من الزمن عشناها وفيه خلاصة التجارب من إخفاقات ونجاحات وجد فيها كل قارئ ما يريد على تنوع شرائحهم. > المنظومة الصحية في بلادنا، لماذا الكل يشتكي منها؟ - المنظومة الصحية تعاني من المركزية ومن تراكمات لم يتم تفكيكها وحلها أولاً بأول، ومن تعاقب الوزراء ومحاولة كل منهم البناء من الصفر بدل البناء على منجزات غيره وتطويرها. وتعاني المنظومة من تراكمات الزمن وعدم التجديد في دماء الرعيل الأول، وأيضاً ارتفاع الوعي المجتمعي تسبب في ارتفاع الطلب على جودة الرعاية الصحية، ومعرفة الناس وإدراكهم لحقوقهم الصحية جعلهم يتطلعون لأعلى مستويات الجودة في الرعاية الصحية. > مخرجات كليات الطب عندنا بلا عمل، ما المشكلة؟ - أسأل مثلك السؤال نفسه فليس من المعقول ولا من المقبول أن تكون نسبة الأطباء السعوديين حوالي ٢٥ في المئة بعد مرور أكثر من 40 عاماً على إنشاء كليات الطب! وهذا يؤكد وجود خطأ في التخطيط الاستراتيجي، وليس من المعقول أن نواجه بأطباء وطبيبات بلا عمل في دولة موازنة وزارة الصحة فيها وموازنة التعليم من أعلى الموازنات.  > متى بدأ مذهب الوسطية في الخروج على السطح؟ - بدأ مذهب الوسطية في الظهور عندما أفاق المجتمع من غفوته وعاد له الوعي وأدرك أنه تم نفيه خلف أبواب التاريخ لعقود بسبب تخليه عن مبدأ الدين وأساسه ألا وهو الوسطية. > هل الوسطية تختار من الشرع أسهله وألينه، أم أنها تتجاوز النصوص لآفاق أوسع؟ - الوسطية في نظري هي الاثنان معاً فهي تتجاوز النصوص لآفاق أوسع يتحرر فيها العقل من الجمود الفكري والانقياد والتبعية، بل ويتحرر من قدسية النصوص والكهنوتية لينطلق بحثاً عما هو أكثر مرونة وأسهل وأنسب لمتغيرات العصر، فلا ثابت إلا ما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة.   > كثير من الدعاة يتضخم لديهم شعور بالوصاية على المجتمع، لماذا؟ - هذه أكبر خطايانا، إذ سلمنا عقولنا لهم يبرمجونها كيفما شاءوا واستسلمنا لهم تماماً لأن تربيتنا قامت على تقديس الدين وهم عرفوا كيف يستغلون الدين فأصبح تقديسنا لهم امتداداً لتقديسنا للدين وتمت زراعة الخوف في داخلنا منهم ومن مخالفتهم وطاعتهم واجب غير قابل للنقاش، حتى وإن كانت هذه الفئة من الدعاة تأتي بما يخالف الدين والمنطق، لكن الطاعة العمياء أدت إلى الخضوع الكامل والاستسلام التام لهم.  > انفصال العلم الشرعي عن الواقع المعيشي، ألا يحرمنا من خير كثير؟ - بالتأكيد الله عز وجل منحنا العلم الشرعي، وجاء الإسلام ليكون منهاج حياة، لكننا أدخلنا عقولنا في كهوف منفصلة وفصلناها عن الواقع، فكان هذا الخلل في بعض الممارسات الحياتية والتي لم يأت بها هذا الدين الجميل.  > يصر البعض على أن التعليم عندنا مختطف وخاطفوه في المجتمعات كثر ما رأيك في هذا الرأي؟ وما هو الاختطاف الذي يعاني منه تعليمنا؟ - سؤال يثير حساسية وغضب البعض عندما نقول نعم، والحقيقة هي نعم مختطف من فئة أحادية الفكر متشددة تختار من النصوص أبعدها عن المرونة والوسطية، وتستدل بما يتوافق مع هذا الفكر المتشدد، وتستبعد النصوص التي فيها مساحة حرية أو بعد تنويري أو الأخذ بالأيسر، وهذا نراه في كتبنا ومناهجنا.  > هل تشعرين بأن وزارة التعليم هي من يتحكم في التعليم بكل مفاصله في بلادنا؟ - للأسف لا فهناك فئة تملك القوة غزت التعليم وشاركت الوزارة في التحكم في التعليم وما زالت وإن كانت التغييرات الآن بدأت تتحقق وتتسارع وتيرتها وتنبئ بعودة الوعي ونأمل بتصحيح أخطاء حدثت على مر العقود السابقة.  > المؤسسة التعليمة هل ذنوبها الفكرية كثيرة؟ - المؤسسة التعليمية أكبر ذنوبها أنها مخترقة من فئة تعارض أي تغيير وإصلاح وتمانع في التغيير، وكل يعمل وفق أجندته الخاصة. > يخاف البعض من طرح آرائه الجديدة، لأنها تفتح عليه أبواب جهنم، حتى متى ونحن نهاب الجديد ونعاديه؟ - نحن فعلاً كذلك وكان هذا ديدناً لنا، لكن الوضع بدأ في التغير حتى الدعاة الذين حرَموا بعض الأمور بدأوا في التغير بعضهم يهمس بآراء جديدة خلف الأبواب، وبعضهم خرج للعلن بشجاعة وواجه النار بقوة، والمقبل ينبئ بمزيد من الطروحات الجديدة. > خرج من مجتمعنا إرهابيون كُثر من أنتجهم؟ - الأرضية الجاهزة التي وفرناها جعلتهم أداة لمن يحتضنهم ويوجههم ويجيد الزراعة في هذه الأرض لتنتج هذه الفئة المنحرفة.   > ولي الأمر حتى متى ونحن نمارسه لقهر المرأة؟ - هذا السؤال يحتاج كل مساحة الحوار لنكتب عنه وسنظل نسأل، وتستمر الوصاية والقهر حتى يضع صانع القرار قراراً تاريخياً بوقف هذه الوصاية وهذا القهر تماماً، كما حصل في قرارات مفصلية سابقة لم يكن لها حل غير بحل سياسي من رأس الهرم.  > لماذا الحضور الاجتماعي والثقافي لا يمنح امتيازات خاصة لصاحبته، خصوصاً في قضايا السفر والولاية؟ - لا أعتقد أن الحضور الاجتماعي والثقافي سبب لمنح امتيازات خاصة في بديهيات وفي حقوق إنسانية لا مجال للمفاوضة فيها وعليها، ففي قضايا السفر والإذن بالسفر وولاية المرأة لنفسها في أمورها الحياتية من تنقل وعمل وتعليم وصحة وغيرها، هنا هذه حقوق لمن هي حاضرة على المشهد ولمن هي قابعة في بيتها، فالحرية والحقوق لا تحكمهما هذه العوامل ولا تمنحهما حقاً من دون منحه للأخريات. > لماذا الحراك الثقافي في جامعاتنا مؤدلج وأسير بيروقراطية معينة؟ الإجابة خليط مما جاء في الحوار أعلاه، من سيطرة فكر مؤدلج على مفاصل التعليم وسيطرة البيروقراطية وبطء الحراك والتغيير خوفاً من وعلى المجتمع، لأننا تربينا على أن التغيير يعني السقوط والتغريب ولم نفهم أن الحراك الثقافي يصحبه نور وتنوير.       رسائل إلى خالد الفيصل } عرفوك أميراً للمنطقة ووزيراً للتعليم وعرفتك إنساناً ينثر إنسانيته يوم طرقت بابك لتمكيني من الحصول على إذن بالسفر بأولادي بعد طلاقي ولن أنسى يوم جمعتني بأبيهم في مكتبك في جلسة عائلية تشهد لك بأنك أمير الإنسانية.     غازي القصيبي } ليتنا قمنا بعملية استنساخ لك، فالوطن يحتاج أمثال غازي القصيبي في هذه المرحلة المفصلية، رحمك الله يا من زرعت بذوراً نقطف ثمرتها اليوم.     عادل الجبير } ما زلت أذكر لقاءك في مكتبك بواشنطن يوم تكريمي من وزارة الخارجية الأميركية بجائزة الشجاعة عالمياً في عام 2007 وحفاوتك وتقديرك اللذين يشهدان بتقدير ولاة الأمر ورجالات الدولة لنا كنساء ونفخر بك رمزاً وطنياً جميلاً وديبلوماسياً من الطراز الأول.     ثريا عبيد } أنت وأمثالك سيدتي من نحتفي بهن رموزاً وقدوات لنا ولبناتنا وسيركن وأنتن الصفوة تحتاج أن تدرسها بناتنا ليعرفن من هي المرأة السعودية التي مثلت الوطن في الداخل وفي الخارج بكل رقي وعلو.     أحمد العيسى } إحداث التغيير في الوعي المجتمعي يبدأ من تمكين الفتيات لأنهن نساء الغد، ولن تتغير ثقافة المجتمع، ولن يحدث تمكين للمرأة إلا بالتركيز على تمكين الجيل الجديد، إذا أردت إحداث نقلة نوعية في واقعنا المعاصر.     أحمد السباعي } أتذكر أن الأستاذ أحمد السباعي - رحمه الله - كتب لي في إحدى المرات: اتجهي إلي كتابة القصة فلديك استعداد للخوض في هذا الفن الكتابي. نظرته هنا تجسدت إلى واقع في بعض مؤلفاتي، فشكراً له.       ملامح < من أنا طفلة عادية لسيدة غير عادية رحل والدي وأنا طفلة، فبحثت عن حنانه في عيون كل الرجال، وتعلمت أن الأب يظل هو الأب ليس كمثله أحد، وعشت طفولتي في مدينتي جدة بكل أفراحها ومباهجها التي كنا نمارسها، ثم حرمنا منها، وكبرت والتحقت بكلية الطب، وكنت خريجة أول دفعة فيها، حفرنا الطريق وعبدناه لمن يأتي بعدنا. تزوجت وأحببت وحزنت وعانيت وحلمت بضحكة طفل، فلم تتحقق فانفصلت، وظننته قدري وبعد زمن تزوجت ثانية، وتعالجت بتقنية أطفال الأنابيب، وكان عوض الصابرين، ويوم ولادتي كتبت وجاءوني به ملفوفاً في قطعة قماش ضممته يقولون إنه مني ولي، وحكيت له عن أعوام الانتظار الطويلة التي تعبت من عدها، وقالوا لي هاته لترتاحي خفت أن أنام وأصحو لأجدك حلماً مجرد حلم. ولدت يوم الـ12 من نيسان (أبريل) وبعد أعوام طويلة وفي التاريخ نفسه تسلمت نتيجة الفحص التي تقول نعم أنت مصابة بسرطان الثدي وبدل أن أحتفل بيوم مولدي وجدت قبساً من نور يضيء لي طريقاً جديداً دخلته إلى عوالم لم أكن أعرفها وأسميتها رسالة حب من الله وتغيرت مناحي حياتي وحياة أولادي، وفي وسط الظلمة وجدتني أحط في رحاب البيت الأبيض ويتم تكريمي من وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس، وألتقي رئيس أكبر دولة في العالم، وأقدم للسيدة الأولى لورا بوش طرحة سوداء عليها شعار سرطان الثدي الزهري العالمي، فترتدي الطرحة وتطير صورتنا تملأ كل صحفهم، ولم أعرف أن مقالة لكسر حاجز الصمت كانت سبباً بفضل الله في كل هذا. أصابني سرطان الثدي فشعرت بمسؤوليتي الطبية والشرعية والإنسانية لكسر حاجز الصمت، وتخليت عن مهنتي وعشقي لتخصصي النساء والتوليد، وأصبح سرطان الثدي قضيتي ورسالة عمري، وتتبلور القضية بعد سنوات من إصابتي، لتصبح مشروعاً جديداً اسمه التمكين الصحي والحقوق الصحية عموماً وحقوق مرضى السرطان خصوصاً. وصلت لسن التقاعد فطلبت التجديد، وتم لي التجديد وزارني السرطان للمرة الثانية، فاستمررت ومازلت أعمل وأناضل وأتركها رسالة لكل مصاب الحياة خيارات وخياري هو الاستمرار في النضال والحياة ما دام في داخلي عرق ينبض تأسياً بقوله عليه أفضل الصلاة والسلام بما معناه لو قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليزرعها. عملت رئيساً لوحدة التمكين الصحي والحقوق الصحية بقسم النساء والتوليد - كلية الطب - جامعة الملك عبدالعزيز بجدة, المدير التنفيذي لمركز الشيخ محمد حسين العمودي للتميز في رعاية مرضى سرطان الثدي, أستاذاً بكلية الطب واستشاري نساء وتوليد, ناجية من سرطان الثدي مرتين.