×
محافظة المنطقة الشرقية

قمة جبل إفريست: الحقيقة المؤلمة لتكرار موت المتسلقين

صورة الخبر

ما يغضب التنويريين أن توجد بينهم جيوب تخلف تعشق الرقص على الحبال في مواقفها، لتجدهم يتحدثون بنفس اللغة العلمية لكن بغير رصانة، وبنفس الإحصاءات الموضوعية لكن بعد إتقان فنون التزييف الألم على قدر العشم، ولم يكن عشمنا في الذين تلقوا تعليما متميزا أن يكونوا عونا للتخلف في بلدانهم، لأجل مكاسب جماهيرية عبر أطروحاتهم التي تلتحف المصطلحات العلمية الحديثة في جميع المجالات والتخصصات لتعيد تثبيت القديم وتترافع عنه، ولأن الإشكال إشكال معرفي وليس شخصيا، ولأيكون أكثر موضوعية، فسأطرح مثالا افتراضيا يقرب صورة المأساة للقارئ، وعلى كل من يشعر بضرورة تحسس الرمل على رأسه أن يراجع نفسه لأن هذا النوع من التذاكي ضد التنوير يؤلم المهتمين بالنهضة على جميع الأصعدة الاجتماعية والسياسية. تخيلوا افتراضا أن هناك مجموعة من المثقفين قبل سبعين عاما يحاولون إقناع من حولهم بفائدة السيارات وضرورة إدخالها البلد، ويقوم جمع من الناس بمعارضة هذا الأمر بحجج شتى منها الديني (التشبه بالكفار والاستعانة بمصنوعاتهم بدلا من الأنعام والإبل التي ورد ذكرها في القرآن)، وانتهاء بالاقتصادي (شق الطرق لهذه السيارات سيسرق أرضكم ويقسمكم أشتاتا)، وعندما تتحد قوى التنوير لإقناع الناس بفوائد السيارات وأن ما كنتم تشتكون منه في رحلة الشهر والشهرين من أجل الوصول إلى مكة ستقطعونه في أقل من يوم وليلة، وإذا بواحد من المحسوبين على الثقافة يريد أن يصنع له مكتسبات داخل الكتلة الممانعة الخائفة الجاهلة على حساب الوعي والتنوير قبل أن تكون على حساب التنويريين، فيقف في صف الخائفين الجهلة ثم يبدأ يشرح لهم أن السيارات في الغرب تأتي بالحوادث التي تؤدي إلى الشلل، وأحيانا الموت أو بتر الأعضاء، ويعرض صورا لتلك الحوادث، وأنها ستستدعي بناء مستشفيات أكثر، وأنها تؤدي إلى وفيات تبلغ نسبتها إلى كذا وكذا بالمئة، إضافة إلى أن البيئة والأشجار ستتلوث مما قد يؤثر على المحاصيل..... إلخ، وهنا يبدأ المعارضون يحاولون النظر في أعين المتحمسين لإدخال السيارة، وهل ما ذكر صحيح أم لا؟ ليقع التنويري بين نارين، فعلى المستوى الموضوعي هذا صحيح، لكن على مستوى التنوير يعتبر هذا الكلام جريمة في حق الشعب أن يمنع من أحدث وسائل المواصلات العالمية ليبقى مجرد محمية لمجموعة من القبائل البدائية رهينة الحمير والبغال والجمال في تنقلاتها. ما يغضب التنويريين أن توجد بينهم جيوب تخلف تعشق الرقص على الحبال في مواقفها، لتجدهم يتحدثون بنفس اللغة العلمية لكن بغير رصانة، وبنفس الإحصاءات الموضوعية لكن بعد إتقان فنون التزييف في الإحصاء ليحسموا النتائج سلفا لصالحهم، يتعلمون العلوم بهدف تأصيل الجهل، يتقنون القانون ومناظراته دفاعا عن تخلفهم بمفردات جديدة، يدرسون بالسوربون وهارفارد ليفجعوك إذ يترافعون عن مخرجات الكتاتيب، متناسين أن المعاصرة نظر للقديم بعيون المستقبل، وليست نظرا للمستقبل بعيون القديم الذي لن يعود. مخرجات النوستالجيا الماضوية في الفكر ليست علما، بل محض خيال وشعور حتى ولو سميت بأسماء حديثة، فالجمل ليس كالسيارة حتى ولو سميناه (سفينة الصحراء)، والحمام الزاجل ليس كخدمة فيديكس حتى ولو سميناه بريد السلف، وهارون الرشيد لا يجد في قصوره ما يجده طفل صغير في سوبر ماركت الحي السكني، فالزمن لا يعود للوراء، والمستقبل حسب التجربة الإنسانية خير من الماضي، ومن يقطع الشوق قلبه للعيش قبل مئة سنة أو ألف سنة فليجهز نفسه للقمل وقلة المياه، وليجهز نفسه للملاريا بعد كل مطر، عدا الطاعون والجدري، وما زال بيننا من يبحث عن الكي بمسمار قديم في القفا كعلاج ناجع للصداع. دغدغوا الجماهير والرجعية التي تحبكم بمفرداتكم القديمة، لكن إياكم أن تستخدموا لغة العلم فتلوثوها بخرافاتكم، أما جيوب التخلف التي تندس بين التنويريين وتدرس في أفضل الجامعات لتنحت مصطلحات جديدة لخرافات قديمة، فيحاربون الحداثة بنظريات ما بعد الحداثة مكرا من عند أنفسهم، وهم يعلمون أن شعوبهم لم تدخل عصر نهضتها التنويرية بعد، فذلك تذاكٍ يشبه تذاكي من يترافع ضد السيارات بأرقام الحوادث في الغرب كي يبقى شعبه رهين الدواب، وهكذا هي الحياة، فقصيرو النظر يغترون بمكرهم متناسين مكر التاريخ، فيكسبون معركة الحاضر بالجماهير تصفق لهم ولعبقريتهم المزيفة، ولكنهم يخسرون المستقبل إذ ينتصر التنوير فتمقتهم الأجيال القادمة.