إذا أردنا أن نعرف مستقبل العلاقات الأميركية - الخليجية فعلينا أن نعرف فريق الرئيس القادم، لا أن نعرفه هو، فليس ترامب ولا هيلاري كلينتون من سيصوغ هذه العلاقة، بل الفريق الذي سيستعين به الرئيس، خصوصًا فريق الأمن القومي. ونحن مع الأسف تأخرنا في معرفة فريق أوباما، احتفينا كعادتنا ومن منظورنا بالرئيس ذاته، شاب أسود له أصول إسلامية، معلنًا رغبته إغلاق سجن غوانتانامو، وبالانسحاب من العراق، وبحل الدولتين أي بالاعتراف بحق الفلسطينيين بدولتهم، عناوين مغرية تشي بمستقبل عربي أميركي متين مبني على الاحترام المتبادل. متى بدأنا نسأل من هو فريقه؟ متى بدأت صحافتنا وإعلامنا يهتمون بمن الذي يرسم له سياسته الخارجية؟ في السنة الأخيرة ربما، إنما ليس قبل هذا، والحقيقة أن هؤلاء هم من سيحددون علاقتنا المستقبلية، وهم بالنسبة لنا سيكونون أهم ألف مرة من الذي سيصل للبيت الأبيض. قبل شهر كتب الدكتور مأمون فندي عن روبرت مالي مستشار الرئيس أوباما للأمن القومي مقالاً. إن الكتاب يُقرأ من عنوانه، وللأسف لم نقرأ عنوان الكتاب إلا متأخرًا، ومالي يوصف بأنه رجل «الإخوان» في البيت الأبيض، وهو من كتب تقريره عن دخول «درع الجزيرة» للبحرين عام 2011، واصفا إياها بقوات احتلال سعودي، حين كان يعمل في «مجموعة الأزمات» وهي منظمة (غير حكومية) تُعنى بكتابة تقارير حول مواقع الصراعات الدولية، هو ذاته الذي دعا الإدارة الأميركية للضغط على مملكة البحرين لإخراج «القوات السعودية»، حسب وصفه، وهو أحد أهم الأشخاص الذين يعتمد عليهم أوباما في معلوماته عن البحرين، روبرت مالي خريج مدرسة بريجنسكي السياسية الداعية للتعامل مع الراديكاليين الإسلامين المعتدلين بديلاً عن الأنظمة «المتهالكة» في العالم العربي، حسب وصف «مجموعة الأزمات» وحسب توصية لمؤسسة «راند» البحثية التي تستقي معظم الإدارات الأميركية من دراساتها رسم سياساتها الخارجية مع غيرها من تقارير البيوت الاستشارية المعروفة ككارنيغي ومجلس الشؤون الخارجية. روبرت مالي هو ذاته الشخص المفوض من قبل إدارة أوباما للتفاوض حول الملف السوري، وقد تولاه قبل سنة، وبفضله «ساحت» كل الخطوط الحمراء التي رسمها أوباما حول «الأسد»، فتحولت من إصرار على رحيله إلى احتمال بقائه إلى حين، ومن هنا إلى أن يغادر أوباما البيت الأبيض احتمال كبير أن تقبل الإدارة الأميركية بقاء الأسد إلى عشر سنوات مقبلة، لأن البدائل من وجهة نظر روبرت مالي غير متوفرة! ومن روبرت مالي مستشار الأمن القومي الأميركي ننتقل إلى بن رودس «الأديب الذي أصبح أهم صانع للسياسة الخارجة الأميركية»، وفقا لـ«نيويورك تايمز» ونائب المستشار للأمن القومي لشؤون الاتصال الاستراتيجية، ووفقًا لدنيس ماكدونو رئيس موظفي البيت الأبيض يقضي بن رودس مع الرئيس ساعتين إلى ثلاث في اليوم، ويتواصل معه بعد ذلك عبر الهاتف والبريد الإلكتروني، ورودس أو رودز هو الذي تسبب بالأزمة الأخيرة للإدارة الأميركية بتصريحاته حول غرفة التلفيق، أو التي أطلق عليها غرفة «تردد المعلومات»، وتباهى بكيفية خداع الصحافة الأميركية بقوله إن مراسليهم صغار للسن لم يزوروا منطقة الشرق الأوسط «يعتمدون علينا في مصادر معلوماتهم، ونستطيع بواسطة المنصات الإعلامية المتعددة أن نرى ترددات لمصطلحات ومعلومات نلقيها عمدًا في أخبارنا التي ننشرها على هذه المنصات، فتعيد الصحف ترديدها كما لوّنّاها». وبسبب فضيحته التي ذكر فيها كيف لفق عن طريق غرفة «تردد المعلومات» القصص من أجل الترويج للاتفاق النووي الإيراني، عقدت لجنة الرقابة والإصلاح الحكومي في الكونغرس الأميركي، جلسة استماع الأسبوع الماضي استجوبت فيها الباحث مايكل دوران من معهد هدسون لرأيه في هذه الفضيحة، فقال: «إن هناك دروسًا تتجاوز جهود الإدارة الأميركية للترويج إلى (المعتدلين) الإيرانيين وتصوير الاتفاق بأنه جاء نتيجة انتخاب الرئيس حسن روحاني». وأوضح دوران أن «غرفة الحرب» التي أنشأها رودس ليست مشكلة مستقلة، بل هي إحدى سمات مجلس الأمن القومي الذي أصبح طاغيًا للغاية من حيث الحجم والنفوذ في واشنطن، وأضاف أنه يتعين أن يتخذ الكونغرس الإجراءات اللازمة لمنع البيت الأبيض من اختراق منظومة الضوابط والتوازنات القائمة»، نقلت جنيفر روبين هذه الشهادة في مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست»، يوم الخميس الماضي، تحت عنوان «تصريحات رودس يجب أن تقود إلى إصلاح مجلس الأمن القومي الأميركي»، وأضافت لما قاله الباحث الأميركي ما قاله السفير الأميركي السابق إريك إيدلمان: «إنه ليس سرًا أن مجلس الأمن القومي في عهد أوباما قد تسبب في مشكلات هائلة بالنسبة لوزارة الدفاع على مدى السنوات السبع الماضية». الآن عرفنا لماذا ساءت العلاقات الأميركية العربية بشكل عام والأميركية الخليجية بشكل خاص في عهد هذه الإدارة، لأن سيادة الرئيس يرى «التغير» الذي كان عنوانًا لحملته الانتخابية، أن يبعد أصحاب الخبرة في المنطقة، ويحيط نفسه بهذه الجوقة التي على استعداد لرسم مصائر الشعوب على أوراقها، مستقية معلوماتها من أوراق غيرها، وهي تحتسي كوب القهوة الصباحي مشمرة ذراعها، وتتقافز بخفة الشباب كما يتقافز رئيسها أوباما حين ينزل كل مرة من على سلم طائرة الرئاسة.