بدا رفيق فى حبور ذلك اليوم ، الثلاثاء 2/7/2013 م ، لدرجة أنه دعانى الى الغداء على حسابه فى مطعم للوجبات السريعة ! ، ولأنى خمنت سبب حبوره كدت أعتذر عن التلبية ، لولا أن غلبتنى مشاعر الصداقة فقررت ألا أفسد متعته فى التشفى . بعد أن فرغ من إلتهام الشطيرة الثانية هز بيده كوب العصير لإذابة مكعبات الثلج ، وابتسم بظفر قائلاً : أنت الآن مدين بالإعتذار للجريدة التى هاجمتها فى مقالك السابق .. نظرت اليه وهو يرفع الكوب الى فمه وابتسامته الكيدية تتسع وقلت : لستُ مديناً بالاعتذار لمن لم أسمّه ، انتقادى كان فى الأساس لنهج المدرسة الإعلامية التى تتبعها هى وزميلاتها .. قال وابتسامته المستفزة باقية : الخبر طلع صحيح ، والمصدر المطلع صادق .. أجبته : ما أدرانا أن هناك مصدراً مطلعاً ، لماذا لا يكون ذلك التقرير مجرد تخمين صائب ؟ .. رد : على الأقل ما خمنوه أصاب ، وما خمنته أنت ضل .. قلت : فى هذه معك حق جزئياً ، يبدو الأمر وكأنه كذلك ، لولا أنهم لم ينشروه كتخمين إنما كتقرير إخباري ، إن شئت فإن المدان الأول الغموض ونقص الشفافية ، مما عبر عنه أحدهم فى مجلة فورين بولسي قبل أسبوع حين كتب بأن أصح وأدق المشاهدين فهماً لما يجرى فى مصر هم من يعترفون بالحيرة وعدم الفهم . ساد صمت قصير فرغت خلاله من مضغ آخر قطعة بطاطس مقلية ، أردفت بعده : مع ذلك لا تستسلم العقول للضبابية ، ستحاول فهمها والاستنتاج منها ، فهذه طبيعة العقل وعمله ، فإن فعلت لا سبيل لتجنب الإنزلاق الى مزالق التوهم والهوى إلا برد ما تراه الى المبادئ العامة التى تحكم المشاهد والصور ، ومقارنة هذه المبادئ بما يجرى وقياسه عليها .. تراجع رفيق بالتدريج عن موقف الشماتة الى نوع من مشاركة وجدانية باعثها الصداقة وقال : لأول مرة أشعر فى نبرتك وأنت تتحدث عن شأن عام حزناً وقلقاً ! .. ابتسمت حتى أخفف عنه ما أحسه وقلت : دعك منى ، فكل شأن عام هو كلام عن الناس وإلى الناس ، ما حدث دال على أننا بعد أكثر من عامين على انتفاضة يناير لا زلنا عند الخطوة الأولى لم نبارحها من المرحلة الإنتقالية ، هذا أكثر من مقلق ، على الأقل بالنسبة لى ، أما الشخصية المصرية فلا تقلق بسهولة ولا تحزن بسهولة ، أقصد بها الشخصية الجماعية فوق الفردية .. نظر نحوى بترقب ثم قال : أكثر ما تثير اهتمامى عندما تتحدث عن العموميات بعيداً عن الجاري ، أظننى قرأت لك كلاماً عن أن الشخصية الجماعية المصرية بموروثها الثقافى لا تميل الى القلق .. أيدت ما سمعت بهزة من رأسى وعلقت : ما دامت ذاكرتك جيدة لا بد أنك تتذكر أنى قلت بأن هذا المكون التقليدى فى الشخصية الجماعية لم يهتز إلا مؤخراً جداً ، واهتزازه أحد أهم الدوافع وراء إنتفاضة يناير .. تساءل ونظرته تزداد استطلاعا : طيب وماذا عن الحزن ؟ .. أخذت نفساً عميقاً ثم أجبت : لما حضر نابليون الى مصر مع حملته الشهيرة مكث بها عاماً واحداً لا غير ، كان كافياً ليلاحظ أن الناس لا ينفكون عن افتعال مناسبات للفرح وإظهار البهجة ، أعياد ومواسم وموالد بلا حصر ، حتى المناسبات الفردية تتحول الى عرس جماعى ، فقال واحدة من مأثوراته " هذا شعب لا يعرف الحزن " ! ، ملاحظته صحيحة أما استنتاجه فخطأ ، بلى يعرفه ، وهو القاعدة الأساسية فى بنية لا شعوره ، حزن فاقع الى درجة يستحيل معها أن يطفو الى السطح ، لو تجلى فى الوعى لاستحالت بمعيته الحياة ، لذلك هو مطمور وبقوة فيما وراء الوعى ، وما الأعياد ومناسبات البهجة إلا وسيلة لقمع الحزن ، وما روح الفكاهة المشتهر بها إلا وسيلة أخرى لكبت المطمور . سنة واحدة مع المآسى كفيلة بقصم ظهر أشد الأفراد صلابة ، وها أنت أمام مواجع سبعة ألاف سنة لم تفلح فى زحزحة صلابة هذا الشعب .. قال : أثرت اكتئابى الى درجة أنى ندمت على سؤالك . للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (32) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain