×
محافظة الحدود الشمالية

«جامعة الشمالية» تنفذ مشروعات بـ 549 مليون ريال في رفحاء

صورة الخبر

من التجارب الجميلة والمقيِّدة في التي خضتها مؤخراً ان وضعتني أقدار الرحمن في العام ٢٠١٥م ضمن أعضاء فريق وزير الحج السابق الدكتور بندر حجار. الفريق الذي اتحدث عنه هو والمجموعة المكلفة بلقاء وفود دول العالم التي تأتي الى المملكة بهدف الاتفاق على ترتيبات موسم الحج والنظر في متطلبات تلك الوفود، وقبل ذلك اطلاعهم على التطورات و التسهيلات المستجدة كل عام، التي تقدمها المملكة لحجاج بيت الله الحرام. وعلى مدى ثمانية أسابيع تم خلالها استقبال العديد من الوفود الرسمية تكوَّنت لديَّ ملاحظتان هامتان، الاولى ان جل النقاط التي كانت تطرح من قبل الوفود الزائرة تتمحور دائماً حول قضايا فنية بحتة تتعلق بالسفر والوصول والإقامة والتنقل في المشاعر وما يصاحب كل تلك الرحلة من خدمات ضرورية. اما الملاحظة الثانية فتتعلق بوزارة الحج والعمرة وبالفريق الذي يقوده الوزير وما لمسته لدى الجميع من حرص على تدوين كل الملاحظات مهما كانت صغيرة، علاوة على الاستعداد والتمكّنْ لدى منسوبي وزارة الحج والعمرة من الإجابة والإفادة عن ادق واهم التفاصيل. وخلصت من كل ذلك الى غياب الحديث عن امور خارجة عن المألوف في لقاءات تنظيمية كالتي اتحدث عنها، بعبارة أخرى لم يكن هناك طرح لقضايا تتعلق بالشأن السياسي او استخدامه في علاقة متخصصة ذات ابعاد روحية كموضوع الحج. وللأمانة كانت المرة الوحيدة التي دونت فيها شيئا من ذلك ملاحظة رئيس أحد الوفود الذي أشار الى تخوفه الشخصي من عدم تلبية بعض مطالب الوفد نظرا لما يلحظه من شيء من التوتر كما قال في علاقات بلاده بالمملكة في ذلك الوقت. المفيد ان رئيس ذلك الوفد وفي نهاية الاجتماع خرج مقتنعا بأنه ليس من عادة المملكة تسييس هذه العلاقة الروحية. وفي أحاديث جانبية مع بعض التكنوقراط من أعضاء الوفد فهمت ان الرجل يعمل عضوا برلمانيا لمقاطعة جغرافية وهذه المرة الاولى التي يترأس فيها وفد بلاده الى هذه الاجتماعات. بعدها لم يعد لديّ اي اهتمام لمعرفة اي ابعاد أخرى. أتذكر كل ذلك هذه الايام بعد الصراخ السياسي المفتعل من قبل مسئولين ورجال دين ايرانيين على ما حدث في اجتماعات الترتيب لموسم الحج للعام الحالي، وما صاحب ذلك من سلوكيات غير مقبولة وغير مبررة من الوفد الايراني، الذي أضاع خمسة ايام من اللقاءات مع الجانب السعودي المختص، ثم يخرج على الناس بما سمعناه من لغة لا تليق في مقام شعيرة مقدسة. ولعله من المفيد التأكيد في هذا السياق على نقطة اولية ومهمة أعتقد بأهميتها من وجهة النظر البحثية والاكاديمية، وهي ان موضع الحج وما يبنى عليه من اعتبارات دينية «تعبدية» واجتماعية وثقافية واقتصادية كان وما زال، وربما يظل احدى الدوائر الحرجة في مسيرة العلاقات السياسية السعودية الايرانية. هذه الحقيقة الاولية في تقديرنا تقود الى مجموعة من النتائج ابرزها أن الجانب الايراني في بناء سياسته الخارجية منذ ثورة الخميني 1979م كان دائما ما يضع مناسبة الحج، مسرحاً لحدث يخرج عن الاطار الديني والتعبدي الى دوائر أبعد ويكون هناك حرص، وبالطرق المشروعة وغير المشروعة على اعطاء مسحة سياسية من وجهة النظر الايرانية لهذا الركن الاسلامي العظيم. علاوة على ذلك اثبتت الحوادث التاريخية التي شهدها موسم الحج منذ ثورة الخميني اصرار السياسي الايراني على ادخال جوهر اللقاء السنوي ضمن آلية التنافس مع المملكة العربية السعودية في جملة من القضايا السياسية والاقتصادية، والأخطر من ذلك في قضايا رعاية المقدسات، وما يتفرع عنها من مطالبات بتقاسم المسئولية الإسلامية وحماية المقدسات وسلامة وأمن الحجيج، وامتداداً للنقطتين السابقتين سعت اطراف سياسية ودينية ايرانية في العقدين الأخيرين وبصورة لافتة الى اختلاق حوادث غير مرغوبة في موسم الحج بهدف الاشارة الى ان هناك عجزا سعوديا في تنظيم وإدارة وحماية الموسم وكل المشاركين فيه. وفي مقابل كل ذلك كانت ردود الفعل الرسمية السعودية تتسم بالمظاهر التالية، اولا عدم اظهار اي نوع من اللين او التهاون في تحقيق شيء من المطالبات الايرانية المتكررة والتي هدفها تسييس مظاهر هذا اللقاء وصبغه بمسحة ايرانية على مستوى الاداء السياسي والمذهبي، حتى في الاوقات التي وصفت فيها علاقات الجانبين بأنها ذهبية. شيء آخر مهم وهو ان المملكة وفي خضم الصراع السياسي المعروف مع ايران، وبموازاته الصراع بشأن الحج وادارته كانت تحقق تعاطفا ومؤازرة دولية اسلامية منقطعة النظير، مما يؤكد قدرة الدبلوماسية السعودية، ومهارة صانع السياسة الخارجية في تحقيق حشد دولي مناسب يدعم الموقف السعودي على المستويات العربية والاسلامية والدولية. الغريب ومع وضوح هذه المعطيات للجانب الايراني، ومع الفشل الدائم في صراعه مع الجانب السعودي في دائرة الحج تحديداً إلا ان هناك اصرارا على تكرار نفس الممارسات بشكل متكرر ودون مراعاة او مراجعة سياسية لما حدث في العام الذي انقضى! ما يمكن ان يضاف في هذا الملف الذي يشكل احد اوجه الصراع التقليدي بين البلدين، هو انه يأتي هذا الموسم والعلاقات بين البلدين معطلة بشكل تام، وأكثر من ذلك والجانب السعودي يعلن اعتباره ايران دولة تعمد الى تخريب أمن واستقرار المنظومة العربية، كما تسعى وبشكل ملموس للعرب ولدول العالم الى اذكاء روح الصراعات المذهبية والطائفية وتدعم العناصر الإرهابية مما يعني تهديد الأمن والسلم في المنطقة، وفي العالم. بعبارة اخرى ايران عدو بين للمنظومة العربية، وهذه العداوة لا تخفى على اعضاء المنظومة الدولية حسب كثير من التصريحات السياسية. مما يجدر الاشارة إليه ان كثيرا من مفردات الخطاب الايراني الاخير والمتعلق بأزمة عدم التوقيع على محاضر الحج للعام الحالي، فسره البعض على انه استثمار سياسي ايراني متسرع لعملية الاتفاق النووي الذي تم مع القوى الدولية مؤخراً، حيث جاء الخطاب والمطالب محملة بصلف يجافي المعهود والمقبول في مقاربات العلاقات الدولية، وفي موضوع الحج بالذات. وعكست في نفس الوقت تجاوزات منطقية لمفاهيم العلاقات الدولية. ومقتضيات السيادة وحقوق الدول في ادارة المناسبات والأحداث المقامة ضمن اختصاصها القانوني. القراءة العامة تقول إن هذا المنعطف - ملف الحج - قد يبقى أحد أحجار الزاوية في علاقة البلدين، وإن أي تغييرات جوهرية فيه مستبعدة دون حدوث تغيير حقيقي في ذهنية صنِّاع السياسة في طهران. وإِنْ حدثت بعض التغييرات المحدودة فربما تكون تكتيكية، وقد تأتي تبعاً لتطورات ايجابية في أحد الملفات الملتهبة في المنطقة اليوم، وما أكثرها.