×
محافظة المنطقة الشرقية

5865 خرقاً حوثياً للهدنة

صورة الخبر

مع بدء العد العكسي لموعد استفتاء بريطانيا على البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه، تصاعدت وتيرة التحذيرات، ونبرة الهجمات. فجأة دخل على خط الحملات الإعلامية أبو بكر البغدادي، الخليفة المزعوم لدولة داعش المزعومة، وكذلك الزعيم النازي أدولف هتلر، والقائد الفرنسي نابليون بونابرت، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. قبلها أثير جدل حول تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما الداعمة لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، مما أثار غضب قادة الحملة الداعية للخروج ودفع بعضهم لاتهام البيت الأبيض بالتدخل في شأن داخلي و«محاولة الإملاء» على الشعب البريطاني. البريطانيون عادة يتميزون بالبرود، لكن الحملات الإعلامية المتعلقة بهذا الاستفتاء طغى عليها الشحن العاطفي والقومي، وبرزت فيها محاولات التضخيم، وتكتيكات التخويف. هذا الأمر أدى في كثير من الأحيان إلى دفن النقاش المنطقي ولغة الأرقام، وسط كومة التصريحات الهلامية والعناوين الصارخة، في مسألة ستكون لها تداعيات كبيرة وربما خطيرة على مستقبل بريطانيا واقتصادها ومركزها في الساحة الأوروبية والدولية. فهناك كثيرون يحذرون من أن بريطانيا تجازف بأن تصبح «دولة صغيرة» في زمن القوى العظمى إذا غادرت الاتحاد الأوروبي، خصوصًا أنها لم تعد القوة الصناعية التي كانت في الماضي، ولا الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، بل أصبحت دولة تعتمد في الأساس على القطاع المصرفي وسوق المال، وقطاع التأمينات والخدمات، والاستثمارات الأجنبية. بوريس جونسون، عمدة لندن السابق الطامح إلى زعامة حزب المحافظين ورئاسة الوزراء، الذي يتزعم حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي، كان المبادر إلى إقحام هتلر في حملته المعادية للاتحاد. ففي مقابلة مع صحيفة «الديلي تلغراف» لجأ جونسون إلى تشبيه جهود الاتحاد الأوروبي لبناء دولة كبرى بمحاولة هتلر السيطرة على أوروبا، وإخضاعها لحكم واحد تحت راية النازية. وقال إن التاريخ الممتد إلى ألفي عام إلى الوراء كان حافلاً بالمحاولات لإخضاع أوروبا تحت راية حكومة مركزية واحدة، انتهت كلها إلى مآسٍ. وأشار في ذلك إلى الإمبراطورية الرومانية، وإلى نابليون وهتلر، معتبرًا أن تلك المحاولات انتهت بالفشل، وأكدت أنه «لا يوجد ولاء لفكرة أوروبا (الموحدة)». هذا الكلام أثار بالطبع جدلا واسعا ودفع الكثيرين داخل وخارج حملة البقاء في أوروبا للرد عليه، باعتباره محاولة لتضخيم الأمور، ومبالغة تصل إلى حد التجني في مقارنة الاتحاد الأوروبي بالدولة النازية. بعض قادة حملة «البقاء» اتهموا جونسون بالهستيرية، وبالافتقار إلى الحكمة، واللجوء إلى التصريحات الفارغة. وفسروا ذلك بأنه دليل ضعف ويأس من جانب حملة «المغادرة»، مشيرين إلى أن الاتحاد الأوروبي كان عاملاً مهمًا في التقريب بين الدول، وفي حفظ السلم والاستقرار. رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في تفنيده لحجج معسكر «المغادرة» لجأ أيضًا إلى التخويف من مغبة الخروج من الاتحاد الأوروبي، ومن تجدد الصراعات والحروب في القارة، إذا رضخت لتصاعد المدّ القومي وضغوط التنافس. وذكر كاميرون الناس بتاريخ أوروبا في الحروب، مشيرًا إلى الحربين العالميتين في القرن العشرين، وإلى حرب البوسنة وجدار برلين، ليخلص إلى أن الاتحاد الأوروبي أسهم في حفظ الأمن والسلم في القارة، وترسيخ التعاون بين دولها في مواجهة التحديات والتهديدات المتصاعدة. وقال رئيس الوزراء إن بوتين سيفرح إذا خرجت بريطانيا، وكذلك أبو بكر البغدادي، وذلك على أساس أن هذا الخروج سيضعف بريطانيا والاتحاد الأوروبي. إذا نحينا المبالغات ومحاولات التخويف جانبًا، فإن الأمر المؤكد هو أن التعاون بين الدول الأوروبية كان عاملاً مهمًا في الأمن والسلم بالقارة الأوروبية، التي عاشت في الماضي تاريخًا حافلاً بالحروب والصراعات. المشكلة أنه كلما توسع الاتحاد الأوروبي وزادت صلاحياته، كثرت مشكلاته وتداخلت سياساته وقراراته مع سياسات الدول الأعضاء، فاتحة المجال أمام الخلافات والانتقادات بالتعدي على صلاحيات المؤسسات المنتخبة في الدول الأعضاء والانتقاص من سيادتها. فهناك حدود بالتأكيد للمدى الذي يمكن أن تصل إليه صلاحيات الاتحاد الأوروبي قبل أن تبدأ في إثارة المخاوف والقلق في مسألة السيادة الوطنية لكل دولة ولمؤسساتها. أوروبا تحتاج في تقديري إلى معادلة دقيقة توازن بين فوائد التعاون الاقتصادي والتنسيق السياسي، ومخاطر تجاوز حدود سيادة الدول ومؤسساتها المنتخبة. أما بريطانيا فإنها تواجه قرارا مصيريا بتبعات كبرى إذا اختارت الخروج بدلا من البقاء، ومحاولة تحقيق الإصلاح من الداخل لما تراه تجاوزا في حدود الصلاحيات والقوانين. فهناك حجج قوية تدعم الرأي القائل إن بريطانيا ستكون أضعف لو خرجت من الاتحاد الأوروبي، وسيتضرر اقتصادها بشدة. فنصف تجارة بريطانيا الخارجية تتم داخل الاتحاد الأوروبي، ونحو ثلاثة ملايين وظيفة ترتبط بهذا النشاط التجاري. الخروج من الاتحاد الأوروبي لن يعني المجازفة الاقتصادية فحسب، بل سيعني أن على بريطانيا أن تكون مستعدة لتراجع جديد في نفوذها ومكانتها في الساحة الدولية، التي يتنافس فيها لاعبون جدد يملكون قدرات أكبر بكثير.