يلتقي في الرقصات السودانية مزيج متناغم من الرقصات التي منها ما يعود إلى رقصات آسيوية كما هو الحال في رقصة " السيف" التي تشتهر بها قبائل شرقي السودان عموما وقبائل الهدندوة والبني عامر خاصة، وغيرها من الرقصات السودانية التي تتشابه وتتقارب مع العديد من الرقصات العربية الآسيوية، ورقصات شعبية أخرى موغلة في الموروث الإفريقي بأدواتها وطبولها وطريقة أدائها مما يجعل لها طابعها الإفريقي، التي يأتي في مقدمتها رقصة الكمبلا لدى أهل النوبة في جنوب السودان. وفي وسط السودان تعد رقصة الحمامة أو كما يسميها البعض برقصة العروس، من أشهر الرقصات التي يؤديها النساء ويقمن خلالها بأداء حركي يشبه حركة الحمامة، وذلك بتحريك اليدين والرقبة خلال الرقص وغيرها من الرقصات التي شكلت تنوعا فنيا " آسيو أفريقي " ظل الإنسان السوداني وما يزال يؤديها ببراعة محافظا على هويتها الفنية وطابعها الأدائي سواء الرقصات الخاصة بالرجال، أو الأخرى الخاصة بالنساء، أو تلك التي يشترك الجنسان في أدائها.. ليصبح الرقص أحد أبرز وسائل التعبير الاجتماعي وأفصحها بيانا.. فالغناء والآلة والأداة المستخدمة في الرقص والأزياء وطريقة الأداء وجنس المؤدين، تتجسد في لوحة معينة من الرقص ولسان حالها يقول: لكل مقام مقال! وضمن هذا التنوع " الآسيو أفريقي " من الرقصات الشعبية في السودان، تأتي رقصة " الكمبلا " التي تعد من أشهر رقصات جبال النوبة في إقليم كردفان جنوبي السودان، التي يعيدها بعض الباحثين إلى القرن الثامن عشر، في الوقت الذي لا توجد دلالة واضحة لأصل كلمة " كمبلا " إلا أن دلالاتها الاحتفالية ظلت مرتبطة بالتعبير عن القوة والشجاعة، ولدى بعض النوبيين بموسم الحصاد والزواج، ولدى آخرين بمناسبة بلوغ الشباب النضج وسن الرشد، إذ لا يسمح المؤدون لمن هو دون سن العاشرة أن يشاركهم الكمبلا، ولا لمن لم يشارك فيها خلال ست سنوات متتالية أن يضع على رأسه القرنين. قبل أن تدق الطبول الإفريقية، يتهيأ الرجال لأداء الكمبلا بارتداء جلود ثقيلة الوزن، تعكس معنى القوة من خلال الرقص بها، والرقص في أداء أقرب ما يكون إلى استعراض البنية العضلية، وقد ربط كل منهم على رأسه قرنين كبيرين تشبهاً بالثور الإفريقي، دلالة على القوة، إضافة على ما يربطه الراقصون على سيقانهم من الفراء، وهم يرددون أصوتا تشبه خوار الثيران، فيما يقوم النساء بغناء أهازيج تتمحور أبياتها حول القوة والشجاعة. ومع أن الكمبلا مرتبطة لدى بعض قبائل النوبة بمناسبات اجتماعية، إلا أنها لدى قبائل أخرى مرتبطة بطقوس دينية، إذ يعتقدون أن هناك سوطاً يخرج ما بين مطلع سبتمبر وحتى منتصفه، ليصدر صوتا خلال امتداده على جبل "صبوري" حيث يسكن " الكجور " الذي يعتقد أنه يسكن في كوخ في مكان ما من الجبل، إذ يعتقد العديد من قبائل النوبة أن الكجور أبا روحيا لهم، وبأن لديه سوطا يظل معلقا طوال العام، ومتى ما استشعروا سماع صوته خلال الصف الأول من سبتمبر، كان ذلك إعلانا بإطلاق رقصة الكمبلا. وفي رقص الكمبلا يظهر الرجال أقوى ما لديهم من حركات استعراضية، وقد اتخذوا من البيئة رموز القوة، والقدرة على التحمل.. إذ يقال إن من يشارك في الكمبلا بشكل مستمر، ويكون الأقدر على الصمود في الرقص تصنفه القبيلة من شجعانها القادرين على حمايتها!