×
محافظة المدينة المنورة

الأمير فيصل بن سلمان يكرم وزراء الثقافة في الدول الإسلامية ويفتتح المركز الثقافي والمكتبة العامة بالمدينة المنورة

صورة الخبر

السيد، جون كيري، وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنوات، وتحديداً في ليلة 4 نوفمبر عام 2008م، حضرتُ «كلمة النصر» التي ألقاها الرئيس أوباما على ضفة بحيرة ميتشيغان في شيكاغو. حرصتُ على حضور المناسبة شخصياً لأنني، كسوريٍ يهتم بالسياسة والتاريخ، ويؤمن بقدرة الإنسان على التغيير، اعتبرتُ ماجرى ظاهرةً بشرية فريدة. فقد كانت أكبر تعبيرٍ عملي في العقود الأخيرة عن القيم الأصيلة لأمريكا، ثم إنني رأيتُ فيها يومذاك بدايةً لتحولٍ تاريخي إنساني سيكون له مابعدُه، طالَ التاريخ أو قصُر. وقبل كتابة هذا المقال، تذكرتُ تصريحين من تصريحاتك. كان الأول بتاريخ 14 ديسمبر عام 2003م لقناة فوكس نيوز، حيث قلت: «لقد صوتُّ لوضع صدام حسين قيد المحاسبة. لقد علمتُ أن علينا تحميله المسؤولية. لم يكن هناك شك بخصوص ذلك الأمر. لكنني أعلم أيضاً أننا لو فعلنا هذا بعديدٍ كافٍ من القوات، لو أننا فعلناه بترتيبات دولية.. لأمسكنا صدام حسين بسرعة أكبر. ولربما كانت هناك خسارةٌ أقل في الأرواح. لربما كنا في وضعٍ أقوى اليوم بالنسبة لما نقوم به». أما التصريح الثاني فكان بتاريخ 26 أغسطس عام 2013م الماضي، حيث قلت مايلي بعدما قام نظام الأسد بضرب المدنيين بالأسلحة الكيماوية في غوطة دمشق: «مارأيناه في سوريا الأسبوع الماضي يجب أن يهز ضمير العالم. إن الأمر يتحدى أي منظومة أخلاقية. لاتَشُكّوا في قولي. يؤمن الرئيس أوباما أنه يجب أن تكون هناك محاسبةٌ لهؤلاء الذين يستخدمون أشنع الأسلحة ضد أكثر الناس ضعفاً في العالم». ومنذ بضعة أيام، بتاريخ 16 ديسمبر، سمعنا كسوريين تصريحاتك المتعلقة بمؤتمر جنيف2، والتي تضمنت بعض تفاصيل رؤيتك ورؤية الإدارة الأمريكية له، ثم دعوة المعارضة السورية لحضوره على أساس كونه الطريق الوحيد لحلٍ سياسي في سوريا. فاسمح لي يامعالي الوزير أن أناقش معك بعض مقولاتك في هذه التصريحات، فقط للإشارة إلى أننا كسوريين نقرأ التاريخ، ونحلل الأحداث، ونتابع الوقائع، ونفهم في السياسة، على الأقل فيما يتعلق بهذا الموضوع. لن أتساءل، كما يتساءل السوريون، عما حصل بخصوص مقولة الرئيس أوباما، رئيس (أكبر دولةٍ في العالم) في نهاية عام 2011م عندما قال: «إن مستقبل سوريا يجب أن يُحدَدَ من قبل السوريين والرئيس بشار الأسد يقف في طريقهم. ومن أجل الشعب السوري، فإن الوقت حان للرئيس الأسد بأن يرحل». لن أحاول البحث عن تفسيرٍ للتجاهل المتكرر للرئيس أوباما وإدارته لمعنى الخطوط الحمراء التي وضعها أكثر من مرة. فقد تجاوزنا كسوريين ذلك منذ زمن. لن أغوص في تحليل أسباب تراجع أوباما عن تأكيداته بعد الضربة الكيماوية أن تصرفات النظام يجب الرد عليها عسكرياً، ثم في طريقة الانسحاب من الموضوع وتأجيله والالتفاف عليه لتحويله أخيراً إلى اتفاق مع النظام على نزع الأسلحة. بمعنى أن عقاب المجرم باتَ يتمثلُ في مجرد نزع سلاحه في عُرف الولايات المتحدة. لن أرجع إلى تصريحاته في خطاباته التي لاتُعد في أمريكا وخارجها عن دعم الشعوب في سعيها للحصول على الحرية والكرامة، وعن فهمه الخاص لآلام البشر الأقل حظاً في هذا العالم بسبب خلفيته العرقية. ولا إلى تصريحاتك الواردة أعلاه. لن أحفرَ في أسباب تسريب تقريرٍ لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية نشرته صحيفة وول ستريت جورنال منذ أسابيع قليلة،حيث تتوقع فيه امتداد الصراع في سورية لعشرة أعوام على الأقل،مؤكدة أن لدى الأسد القدرة في الحفاظ على السلطة في المستقبل القريب. ولن أفتش أيضاً عن أسباب تسريب تصريحات الرئيس السابق للوكالة نفسها السيد مايكل هايدن التي قال فيها أن «انتصار الأسد قد يكون أفضل الخيارات في سوريا. لن أفعل شيئاً من ذلك يامعالي الوزير، مع أن معاني الوقائع السابقة كبيرةٌ جداً على المستوى الحضاري والاستراتيجي فيما يتعلق بحاضر أمريكا ومستقبلها، وفيما يتعلق بصدقيتها السياسية والأخلاقية. سأناقش فقط بعض مقولاتك الأخيرة، لنرى سوياً، ويرى معنا العالم كيف ولماذا وإلى أي درجة يمكن للسوريين أن يثقوا بأمريكا، خاصةً فيما يتعلق بموضوع مؤتمر جنيف2 وملابساته ومايمكن أن ينتج عنه. سيما وأن هذا الموضوع كان محور تصريحك الأخير. تقول في بداية الفقرة الرابعة من التصريح أنه «يجب أن يكون السوريون قادرين على تحديد مستقبل بلادهم» وأن «صوتهم يجب أن يُسمع» ثم تقول بعد قليل أن أي أسماء مطروحة لقيادة المرحلة الانتقالية يجب أن يوافق عليها كلٌ من المعارضة والنظام! ولاتكتفي بهذا، بل تقول بالحرف أن «هذا يعني أن أي شخصية تُعتبر غير مقبولة من قبل أي من الطرفين، سواء كان الرئيس الأسد أو أعضاء المعارضة لايمكن لهم أن يكونوا جزءاً من المستقبل»!؟ هكذا، بكل بساطة، لاتُعيد فقط اعتبار أكبر مجرمٍ في التاريخ المعاصر رئيساً، بل تضعه في نفس موقع المعارضة التي تمثل الثائرين عليه، وتعطيه حق الاعتراض على أي اسم يمكن أن يطرحوه!.. لاتكفي، يامعالي الوزير كل إشارات التعجب والاستفهام في العالم للتعبير عن الموقف الفكري والقانوني والشعوري الإنساني من هذا التصريح. فإضافةً إلى الملاحظة السابقة، هل فاتك المعنى السياسي لهذا الكلام إذا أخذنا بالاعتبار مايعرفه أضعف متابع للموضوع السوري، فضلاً عن وزير خارجية (أقوى دولةٍ في العالم)؟ ألا يعني هذا، بكل وضوحٍ وبساطة، أن جنيف2 بهذا الفهم يضع الأرضية المناسبة جداً للفشل، حيث يبدو واضحاً لقريبي البالغ من العمر عشر سنوات أن الأسد يُعطَى، من البداية، وحتى قبل بدء الاجتماع، ورقةً لرفض أي أسماء وطنية حقيقية تُطالب برحيله هو شخصياً. ماذا يعني هذا يامعالي الوزير؟ هل يعني، كما يتساءل بعض الخبثاء، أن أمريكا تريد أن يكون جنيف2 مدخلاً لعمليةٍ دبلوماسية تأخذ سنوات، وربما عقوداً من الزمان؟ خاصةً مع العبارة التي أوردتها بعد ذلك، والتي تؤكد فيها علمك وعلم الإدارة بأن مؤتمر جنيف «ليس هو النهاية وإنما مجرد بداية، فهو إطلاق عملية procee» كما ذكرت. لنترك هذه النقطة للتفكير ولنبحث في غيرها معالي الوزير.( للحديث بقية ) waelmerza@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (80) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain