×
محافظة مكة المكرمة

فوهة بئر تتربص بسالكي أحد ثربان - القنفذة

صورة الخبر

إنني كائن نهاري النزعة ـ ولهذا توطدت صداقتي مع الدكتور عبدالعزيز النهاري ـ ولازلت أحسده على لقبه، لأنه لقب مشرق. وقبل عدة أيام كنت في زيارة لأحدهم في منزله، وما أن دقت الساعة الحادية عشرة مساء حتى أزفت ساعتي (البيلوجية) التي بدأت تقرعني، فتجاوبت معها بالتثاؤب، أخذت أفرك عيني وأردد: اللهم اجعله خير، واستمرت معي تلك الحالة إلى درجة أنني كدت أن أسقط في مكاني، ولاحظ هو مع بعض جلسائه حالتي المزرية التي كنت فيها، فقال لي أحدهم: قم واذهب واغسل وجهك بالماء البارد، فقد (قرفتنا)، فقلت له وفمي لازال يتثاءب: حقا أنني سوف أقوم ولكن لأذهب إلى منزلي وإلى فراشي الدافئ، فرد علي الرجل الليلي قائلا: تو الناس (يا هوه)، إن السهرة عندنا لا تبدأ قبل منتصف الليل، ولا نتعشى قبل الثالثة صباحا، فأجبته قائلا ولا زال فمي مفشوخا: إذن تصبحون على خير، وخرجت اتهزهز من شدة النعاس وكدت اصطدم بالمرآة الكبيرة معتقدا أنها الباب. وأتذكر مناقشة سابقة بيني وبين ذلك الرجل الذي قال لي فيها: إن منشأ الاعتقاد الشائع بأن الحياة تبدأ مع ساعة الفجر الأولى، كانت البداية تلك (ريفية)، عندما كان الإنسان يشاهد حيوانات الحقل تتحرك لتذهب إلى مراعيها، وكان الناس في ذلك الوقت الغابر مضطرين إلى استغلال ساعات النهار بسبب الوسائل البطيئة البدائية، وحيث لا كهرباء. أما اليوم فالحياة تغيرت جوهريا، وها أنت تشاهد الدجاج في المزارع الحديثة لا ينام طوال الليل، والحيونات الأليفة أصبحت ليست مرغمة على الذهاب إلى المراعي، فهي تحصل على علفها في أي وقت، فعلم الطب أثبت أن الحيوية تكون في أدنى درجاتها قبل الفجر مباشرة، وأن المخ أو الجسم يبدآن خطواتهما الحقيقية بعد الظهر ـ لهذا أنا لا أستيقظ من نومي إلا في العصر ـ الواقع أنه ألجمني، وصمت مبهوتا من منطقه، ثم قلت له وكأنني مسحور أسير في ركابه: وتصديقا لكلامك فالمسارح والاستعراضات لا تكون إلا بالليل، وسبق لي أن شاهدت راقصة تؤدي وصلتها على المسرح في ساعة متأخرة من الليل وكانت (لولبية) وفي قمة لياقتها الزائدة عن الحد، وما صدق على الله أنه سمع زلة لساني تلك، حتى عاجلني قائلا: (هاه) إذن حتى أنت أيضا كنت تسهر بالليل وتشاهد الراقصات، وعامل لي نفسك (كتكوت)؟! قلت له وقد تملكني الخجل: هي مرة واحدة في عمري، وإن شاء الله ما أعودها، ولقد كفرت عنها أخيرا بصيام ثلاثة أيام، وإطعام ثلاثة مساكين.