لقد عارض بعض أعضاء مجلس بلدية جدة جلوس العضوتيْن المنتخبتيْن معهم على طاولة الاجتماعات بدعوى تعارض ذلك مع الضوابط الشرعية، مطالبين وضع حاجز بينهما وبينهم، متذرِّعين بنظام المجالس البلدية ولائحته التنفيذية، فالمادة (107) من اللائحة التنفيذية التي تُفسِّر المادة (3) من النظام التي بُنيت على مفهوم غير دقيق للضوابط الشرعية التي تنص على الالتزام بـ: 1- تخصيص قاعة اجتماعات مستقلة لأعضاء المجلس من النساء، وتربط مع قاعة الاجتماع المخصصة للرجال من خلال الدائرة التلفزيونية. 2- يخصص مكان مستقل للنساء في اللقاءات وورش العمل التي ينظمها المجلس، ويربط مع القاعة الرئيسة بدائرة صوتية. وهذا سيحدد عمل العضوات بالعمل مع النساء فقط سواء في اللجان أو في الموضوعات المطروحة، أي تحويل مشاركة المرأة في المجلس البلدي إلى فرع نسوي، وهذا مخالف للمادة (32) من نظام المجالس البلدية التي تنص على: «يجب تمكين عضو المجلس من التمتع بالحقوق المترتبة على عضويته، وتمكينه من تأدية واجباته العضوية التنفيذية، والتي نصت عليها المواد (4-11) من النظام. إنّ المفهوم غير الدقيق للضوابط الشرعية كان ولا يزال وراء تقييد مشاركة المرأة السعودية في الحياة العامة، والسؤال: ما هي الضوابط الشرعية؟! هل هي في فصل النساء عن الرجال، أم بعدم الخلوة، وبغض البصر، والتزام النساء بالحجاب الشرعي الساتر للرأس، وجميع أجزاء الجسم باستثناء الوجه والكفّين، وهي الهيئة التي يكنّ عليها أثناء تأديتهن للصلاة والحج؟. فالإسلام لم يُحرّم الاختلاط، بل أباحه، والأدلة: 1- (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ..)، فكيف تشهد المرأتان على عقد المداينة إن كانتا في غرفة مستقلة، أو يوجد حاجز بينهما وبين الدائن والمدين، ولم تشهدا عملية المداينة؟. 2- (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ..)، فهذا نص صريح لمشروعية حضور النساء مع الرجال في المؤتمرات للمناقشة والاحتكام. 3- قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلاَّ ومعه رجل أو رجلان»، فلم يُحرِّم لقاء الرجال بالنساء، ولا دخول الرجال بيوت الغائبين «المسافرين»، الذي أكَّد على تحريمه هو الخلوة بالمرأة التي غاب زوجها عن بيتها، وظلَّت الإباحة للقاء، فوضع الضابط دون أن يمنع. 4- طواف وسعي الرجال والنساء معًا. 5- محاجة المرأة القرشية لسيّدنا عمر في مسألة المهور. 6- مشاركة المرأة في الحياة العامة في العهدين النبوي والراشدي وما تلاهما من عصور. 7- من علمائنا الأوائل درسوا على أيدي نساء كالشافعي وابن حجر، وابن تيمية، وابن القيّم، وغيرهم. فجلوس عضوات المجلس البلدي مع زملائهن على مائدة واحدة ليس فيه مخالفة شرعية، وإلّا كان مجلس الشورى والغرف التجارية مخالفين لشرع الله. فآمل تعديل المادة (107) من اللائحة طبقًا للفهم الصحيح للضوابط الشرعية. suhaila_hammad@hotmail.com