تعتبر الانتخابات الرئاسية الأمريكية من أكثر الانتخابات تعقيداً ومن أكثرها اجتذاباً للاهتمام، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها، كما تتسم أيضاً بأن الاستعداد للعملية الانتخابية يتم قبل الموعد الفعلي للانتخابات بفترة زمنية طويلة قد تزيد على عام، وتتسم أيضاً بتعددية الراغبين في الترشح عن الحزبين الكبيرين الجمهوري والديمقراطي، مما يجعل كل حزب يقوم بإجراء انتخابات داخلية أو ما يمكن أن نطلق عليه عملية تصفية بين المرشحين، بهدف الوصول إلى أقوى المرشحين عن كل حزب. الانتخابات التمهيدية بمراحلها المختلفة والمتعددة تهدف في المقام الأول إلى أن يتوصل كل حزب من الحزبين الكبيرين إلى اختيار أفضل وأقوى مرشحين وأكثرهم قدرة على الوقوف في مواجهة مرشح الطرف الآخر، وبعبارة أخرى فإن الانتخابات التمهيدية تهدف إلى أن يحسم كل معسكر مرشحه للانتخابات الرئاسية، وهي المهمة التي يقوم بها المؤتمر القومي العام لكل حزب والذي ينعقد مرة كل أربعة أعوام أي كل سنة كبيسة، وهي السنة التي تجري فيها الانتخابات الرئاسية الأمريكية ويكون شهر يوليو هو التاريخ المحدد لانعقاد المؤتمر القومي العام للحزبين، ونتيجة لذلك فإن المنافسة خلال المراحل المختلفة للانتخابات التمهيدية تدور داخل كل حزب على حدة (الجمهوري والديمقراطي) أكثر مما تدور بين مرشحي الحزبين، حيث تأتي المنافسة الحقيقية بين مرشحي الحزبين عقب استقرار كل حزب على مرشحه في الانتخابات الرئاسية اعتماداً على نتائج الانتخابات التمهيدية، أما قبل ذلك فجميع المرشحين عن الحزبين يطلق عليهم مرشحين محتملين. ويمكن الإشارة بالنسبة للانتخابات التمهيدية الأمريكية إلى عدة ملاحظات مهمة وذلك على النحو التالي: -أولاً: إن الولايات المتحدة الأمريكية دولة مترامية الأطراف وتتكون من خمسين ولاية تختلف في الحجم، والثقل التصويتي، وأعداد المندوبين، والتكوين الديمغرافي، وهو ما يتطلب من كل مرشح أن يكون لديه استراتيجية واضحة لحملته الانتخابية وكيفية تقسيم الوقت والجهد والمال والدعاية بين الولايات المختلفة، ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى ثلاثة أنماط من الاستراتيجيات، يمكن أن يعتمد عليها المرشح في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أولها الاستراتيجية التي تعتمد على الشخص، ويقصد بذلك شخص المرشح ومدى ما يتمتع به من تقبل شعبي ومدى توافر صفة الكاريزما في المرشح، حيث إن ذلك العامل يمكن أن يكون لمصلحة مرشح معين ضد مرشح آخر لا يتمتع بهذه الصفات والخصائص الكاريزمية، سواء من داخل حزبه أو من الحزب المنافس، وثانيها الاستراتيجية التي تعتمد على المؤسسة ويقصد بذلك الاستراتيجية التي تعتمد على الحزب وما حققه من إنجازات في فترة سابقة سواء في المجال الداخلي كالاقتصاد والتأمين الصحي والضمان الاجتماعي والأجور وغيرها، أو في المجال الخارجي أي السياسة الدولية والملفات السياسية المختلفة، فالمرشح عن كل حزب يمكن أن يستفيد من هذه الإنجازات في دعايته الانتخابية وفي اجتذاب أصوات الناخبين، وثالثها الاستراتيجية التي تعتمد على الأفكار والمبادئ والسياسات، ويقصد بذلك البرنامج الذي يقدمه المرشح خلال دعايته وحملته الانتخابية للوصول إلى الناخبين، وما يتضمنه ذلك هذا البرنامج من أفكار تكون مقنعة ومتقبلة لدى الناخبين وتسهم في علاج ما يواجهونه من تحديات وأزمات. -ثانياً: أثر الثلاثاء الكبير الأول والثاني على الانتخابات التمهيدية: شهدت الولايات المتحدة في الأول من مارس في إطار الانتخابات التمهيدية ما يطلق عليه الثلاثاء الكبير الأول، وهو اصطلاح يستخدم في الانتخابات الأمريكية للدلالة على إجراء الانتخابات التمهيدية في عدد كبير من الولايات في هذا اليوم يتجاوز اثنتي عشرة ولاية، فإذا أضيفت إليها الانتخابات التمهيدية السابقة للثلاثاء الكبير الأول والتي أجريت في أربع ولايات فإن معنى ذلك أنه بنهاية الانتخابات التمهيدية في يوم الثلاثاء الكبير الأول تكون الانتخابات التمهيدية قد أجريت في قرابة ثلث إجمالي الولايات الأمريكية، وقد أسفرت الانتخابات التمهيدية في أربع ولايات سابقة للثلاثاء الكبير الأول عن تقدم السيدة هيلاري كلينتون في الحزب الديمقراطي في ثلاث ولايات، بينما تقدم الملياردير الأمريكي دونالد ترامب في الحزب الجمهوري بدوره في ثلاث ولايات من أربع، وقد أسفرت نتائج الثلاثاء الكبير الأول عن تدعيم نفس هذا الاتجاه في المعسكرين الجمهوري والديمقراطي. وأسفرت نتائج الثلاثاء الكبير الثاني في 15 مارس 2016 عن استمرارية التقدم الكبير لهيلاري كلينتون داخل المعسكر الديمقراطي، ودونالد ترامب داخل المعسكر الجمهوري، حيث فازت كلينتون في ولايات فلوريدا، وأوهايو، وكارولينا الشمالية، والينوي، واتسع الفارق بينهما وبين أقرب منافسيها داخل الحزب الديمقراطي وهو بيرني ساندرز بفارق يقارب ألف مندوب والذي فاز بقرابة ستمائة مندوب مما يعني اتساع الفارق لصالح كلينتون، أما في المعسكر الجمهوري فقد أسفرت نتائج الثلاثاء الكبير الثاني عن تقدم السيد دونالد ترامب وفوزه في ولايات الينوي، وكارولينا الشمالية، وفلوريدا. -ثالثاً: عناصر القوة والضعف لدى المرشحين الجمهوري والديمقراطي يمكن القول إنه وفقاً لما أسفرت عنه نتائج الانتخابات التمهيدية الأمريكية حتى الآن فإن فرص الترشح في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ترجح ترشح هيلاري كلينتون عن الحزب الديمقراطي، وتزايد فرص الملياردير الأمريكي دونالد ترامب عن الحزب الجمهوري وذلك بافتراض ثبات العوامل الأخرى على ماهي عليه، ويلاحظ أنه توجد عوامل مختلفة ومتعددة تؤثر سلباً أو إيجاباً على فرص فوز كل مرشح داخل حزبه ويمكن تناول هذه العناصر بالنسبة للمرشحين الجمهوري والديمقراطي وذلك على النحو التالي:-1-عناصر القوة والضعف لدى هيلاري كلينتون (الحزب الديمقراطي)، تتسم هيلاري كلينتون بعدد من السمات والخصائص والتي تمثل قوة دفع لها في الحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة ولعل أهم هذه العناصر ما يلي: -أ-الخبرة السياسة السابقة، حيث تولت مناصب هامة ومؤثرة من الناحية السياسية حيث شغلت منصب سناتور في الكونغرس الأمريكي، كما كانت مرشحة رئاسية سابقة داخل الحزب الديمقراطي قبل أن تنسحب داخل الحزب الديمقراطي أمام السيد أوباما، كما تولت كلينتون منصب وزيرة الخارجية لعدة سنوات، كما كانت السيدة الأولى في الولايات المتحدة خلال تولي زوجها بيل كلينتون لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية. ب-إن كلينتون لديها خصائص وسمات شخصية تجعلها متقبلة ومؤثرة لدى الناخب الأمريكي، كما إنها معروفة على مستوى الولايات المتحدة ككل وتجيد استخدام وسائل الإعلام الجماهيري وذلك كله يسهل عليها عملية الدعاية الانتخابية مقارنة بمرشحين آخرين، ويضاف إلى ذلك أن كونها سيدة قد يكون بمثابة ميزة لها في المجتمع الأمريكي باعتبارها أول سيدة تحقق مثل هذا الإنجاز في المجتمع الأمريكي، ولذلك يصبح التساؤل المهم في هذا الصدد هو هل تكون السيدة هيلاري كلينتون أول سيدة تتولى الرئاسة في الولايات المتحدة، وذلك على غرار تولي السيد أوباما الرئاسة الأمريكية باعتباره أول أمريكي من أصول سوداء يصل إلى منصب الرئاسة الأمريكية. ج-كذلك قد يكون من السلبيات التي قد تعانيها السيدة هيلاري موضوع البريد الإلكتروني الخاص بها وما وجه إليها من اتهامات في هذا الشأن. 2-عناصر القوة والضعف لدى دونالد ترامب (الحزب الجمهوري): أ- تتركز عناصر قوة ترامب في كونه مليارديراً وله استثمارات كبيرة وخصوصاً في مجال العقارات، وهو رجل أعمال واقتصاد، مما يجعله مقبولاً على نطاق واسع لدى رجال الأعمال بصفة خاصة. ب- وتتركز عناصر الضعف لدى ترامب فيما أدلى به من تصريحات أثارت درجة كبيرة من الجدل وخصوصا تصريحاته لدى المسلمين والمهاجرين. *أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة