التبذير آفة قبيحة مذمومة ، وعادة قديمة موجودة؛ لدى عدد غير قليل من أفراد مجتمعنا، ويقصد به مجاوزة الحد، والإنفاق بغير حق، مثل: التغيير المتكرر للأدوات والمستلزمات ، والإنفاق الباهظ في عمل الولائم ، وتوفير الأطعمة الزائدة عن الحاجة، والتي ترمى بعد ذلك في براميل النفايات . كما تشاهد التبذير والبذخ في حفلات الأفراح، وسرادق العزاء، وفي الاحتفالات الرسمية، والمناسبات الاحتفائية؛ دون صنيع نافع يبقى خلفها، أو عائد يدوم بعدها. كذلك تجد التبذير في هدر الناس للمياه، واستهلاكهم الزائد للكهرباء، كما تلاحظه في تعاملهم المسرف مع أجهزة الاتصالات، وشراء الأرقام المميزة، واقتناء الجديد من الجوالات، وحجتهم أن المال متوفر، والخير موجود، وأن الصرف الباذخ جود وسخاء؛ يكسب النفس قيمة وقوة، ومتعة وسعادة. وهذا تبرير مرفوض، وقول مردود؛ فالتبذير صنيع منكر، وفعل محرم، يخالف المنهج الرباني، ويعارض التوجيه النبوي، (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً)، ولا تزول قدما العبد يوم القيامة؛ حتى يسأل عن ماله من أين اكتسبه ، وفيما أنفقه . إن سلوك التبذير له نتائج خطيرة، ومساوئ كبيرة؛ فهو يؤدي إلى الانغماس في الدنيا، والتكاسل عن أفعال الطاعات، والغفلة عن الآخرة، كما يدفع الناس إلى التنافس السلبي، والتباهي والتفاخر المقيت، فتضيع أموالهم، ويختل اقتصادهم ، وترتفع بسببه الأسعار، وتتضخم نتيجة له المواد والأعمال والأحوال ، (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَّرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً). ولعل من أهم أسباب الصرف الزائد، والاستهلاك التالف ؛ هو ذلك الهوس النفسي الذي يعتري البعض؛ نحو التفرد والتميز، وكسب الصيت، وجذب الثناء والمديح. كما أن هناك عوامل أخرى تدفع الفرد للتبذير، وتملك الشيء الجديد؛ كالإعلانات التجارية، والتقليد والمحاكاة، ووفرة النقد، والاغترار بالوضع الأسري ، والحال الاجتماعي. إن الواجب على الفرد العاقل؛ أن ينظر إلى الذي دونه، وليس إلى الذي فوقه؛ حتى يعرف نعمة الله تعالى عليه. وأن ينفق في حياته بالقدر المطلوب، والصرف المعروف؛ الذي لا يفسد دينه، ولا يضر مستقبل حياته. وأن يحرص على التوفير والترشيد، والاقتصاد والادخار ؛ فالتدبير في المال يثمر الكثير, والتبذير يبدد الكثير. ومن كان مصرّاً على حياة التنعم والترف، راضياً بفعل الإسراف والتبذير؛ فليعلم أن صنيعه سيوقعه في مصيدة التقسيط ، وأنياب الديون، والتي لن ينجو منها؛ حتى تكون مصروفاته أقل من إيراداته بكثير. كذلك عليه أن يتذكر دائماً ؛ أن الخير الذي في يديه ـ وإن كان يسيراً ـ سوف يسأل عنه يوم الفرقان، (ثم لتسألن يومئذ عن النعيمِ)، وأنه لا يدوم وقد يزول ؛ إذا لم يحافظ عليه، ويشكر الخالق عليه، (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ). دبـر الْعـيْـش بالْقليـل ليبْقـى فبـقـاءُ الْقلـيـل بالتـدْبيـر. لا تُبـذرْ وإنْ ملـكْـت كثيـراً فـزوالُ الْكثـيـر بالتبْـذيـر.