إذا كان الثلثاء البلجيكي الأسود، ثمناً لرأس صلاح عبدالسلام، العقل المدبّر لاعتداءات باريس، الذي أُوقف في بروكسيل الجمعة الماضي، فهل يمكن أوروبا أن تنتصر على الإرهاب بالقبضة الأمنية؟ وإذا كانت كل المعلومات المتداولة عن «خلايا نائمة» لتنظيم «داعش» في القارة، كفيلة بإحياء تماسك الاتحاد الأوروبي الذي اهتزّ تحت وطأة أزمة اللاجئين، فهل يمكن دوله تفادي 11 أيلول (سبتمبر) آخر؟ ذعر الأوروبيين أمام شبح إرهاب «داعش» الذي قد يضرب في أي مكان، طَرَحَ مجدداً تساؤلات عن الهدف النهائي للتنظيم وهو يستهدف للمرة الأولى مطاراً أوروبياً، ويجدّد علامات استفهام حول عجز الأجهزة الأمنية عن كشف جوازات السفر المزوّرة التي يستخدمها عناصر «داعش»، بمن فيهم الانتحاريون. بديهي أن تداعيات مالية- اقتصادية ستترتب على الضربات الإرهابية، وأن أوروبا التي بالكاد تجاوزت أزمة مصير اتحادها المتأرجح فوق طوفان اللاجئين والمهاجرين، دخلت مجدداً نفق الحرب على «داعش»، والحرب معه في عقر دارها. وواضح أن استهداف بروكسيل يتجاوز رسالة التهديد بعواقب تسليم عبدالسلام إلى فرنسا التي هزّتها المجزرة الأولى في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015. فالعاصمة البلجيكية مقر لمؤسسات الاتحاد التي تدرس سياسات جديدة لـ «الاعتماد على النفس» في مواجهة رياح الإرهاب، بعيداً من «المرشد» الأميركي الذي يمنّ على الأوروبيين بالنصائح. دماء في شوارع أوروبا، شلالات دم في سورية حيث معقل «داعش» الذي بات على مسافة قصيرة من جنوب القارة... الشرق الأوسط يحترق، أوروبا تهتز، ورئيس القوة العظمى باراك أوباما السائح في هافانا يتفرّج، يندّد بالإرهاب، واثقاً من أن يوماً سيأتي لإعلان الانتصار على «داعش». لعل نصيحته الى الأوروبيين «اصبروا»، بعدما اتهم العرب بالتخاذُل في الحرب العالمية على الإرهابيين، واتّهم رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كامرون بالانشغال بمسائل أخرى. وحده «القديس» أوباما يسعى الى إيهام العالم بأن الجميع مخطئون، وأنه هو وحده على صواب. ألم يرسل عشرات من «المارينز» لمؤازرة الجيش العراقي في المعركة مع أبي بكر البغدادي؟ تستحضر وقائع المشهد العربي في الشرق الأوسط، وضربات «داعش» الأوروبية، دروس الحرب التي تعلن إدارة أوباما انها تقودها على التنظيم لانتزاع «دولته» من العراق وسورية. تقودها جواً، والسوريون والعراقيون يدفعون الثمن، و «داعش» يتمدّد كلما احتفى الأميركي بانكفاء التنظيم عن مواقع، وانكفاء واشنطن عن ساحة الحلول الجدّية. يتمدد إلى قلب أوروبا التي احتضنت الهاربين من جحيم النظام السوري والبغدادي، وأشباح «الحشد الشعبي» العراقي. بداهةً، لدى المتطرفين في أوروبا، لا بد أن يكون من نتائج الثلثاء الأسود في بروكسيل، مزيد من العداء للعرب والمسلمين والمهاجرين واللاجئين... مزيد من القيود الأمنية وحالات طوارئ، لا يمكن أحداً التكهُّن بمداها، ومزيد من الارتياح لدى النظام السوري الذي يصنّف نفسه في خندق مَنْ يواجهون الإرهاب، لإحياء شرعية ميتة. لعل لائحة المستفيدين من ضربات «داعش» وإرهابه، باتت معروفة. وإذا كانت إسرائيل هي أبو الإرهاب، فـ «داعش» طاعونه، وفي الحالتين هوية معظم الضحايا ليست مجهولة، لا في المنطقة العربية ولا في أوروبا. بعد «القديس» أوباما يتبارى المتسابقون إلى خلافته في المزايدة لدعم إسرائيل على حساب دماء الفلسطينيين، وضخ دماء جديدة في أوردة التطرُّف، منبع الإرهاب. ولكن، ما العلاقة بين «عقيدة» سيد البيت الأبيض التي كشفها أوباما في الشهور الأخيرة من ولايته، والحرب على «داعش»؟ الجواب يطرح سؤالاً عن العلاقة بين استضعاف الرئيس الأميركي «السائح»، العربَ ودورهم في تحمُّل مسؤولياتهم، واستقواء التنظيم الإرهابي بالاستضعاف ذاته. صحيح أن المسرح الرئيسي للحرب هو العراق وسورية، لكنّ حمم البركان تطاول شمال افريقيا كله، وجنوب أوروبا وقلبها. قد لا يكون من المبالغة القول إن العرب والأوروبيين يدفعون ثمن الارتكابات الأميركية، منذ تجاهل أوباما وعوده بمعاقبة النظام السوري، وباع أمن المنطقة للكرملين، في مقابل ضمان أمن إسرائيل. كل الجرائم والإبادات في سورية ارتُكِبت فيما أميركا تتفرّج، و «داعش» يتناسل، ويوزّع خلايا.