×
محافظة المنطقة الشرقية

أسباب حادث العبارة ومركبة العائلات

صورة الخبر

سعيد الكفراوي يمكن، كنا أنا وهو عند جامع السلطان حسن أمام قلعة صلاح الدين، وكان النهار رائعاً، والضحى شمسه هناك على الجبل قريبة من جامع محمد علي. يومها قال لي: على فكرة، أنا لا أهتم إطلاقا بأن يكون للقصة مغزى. أنا أرى أن أي مغزى لعمل فني هو مسألة خطيرة جداً. صمت لحظة ثم قال: أن تهتم بأن يكون لقصصك مغزى يساوي أن تهتم بأن تضيف لطفلك أنفاً أو قرناً نحن في الكتابة لا نوجه عملنا نحو أي جهة ما. المسألة هي استبعاد كل ما يعيق نمو هذا العمل. كان دقيقاً مثل ساعة سويسرية. أمضى حياته منشغلا ببناء عمله الفني على نحو خاص، يشبهه، ويشير ناحيته، حتى أنك كنت تتعرف إلى قصته، حتى لو سقط اسمه سهواً من فوق نصه المكتوب. رحم الله المبدع إبراهيم أصلان ذلك الأديب الذي أمضيت في صحبته عمراً، عشناه في مواجهة متغيرات الدنيا عبر نصف قرن، وتعلمت منه العديد من الدروس: دروس في الفن، ودروس في الحياة. اجتمعنا مرة حول جياكوميتي النحات السويسري الأشهر. يومها قلت: لقد عاش ذلك الفنان عمره يسعى ليكتشف مكانه السري داخل روحه. كان يؤمن طوال الوقت بأنه ليس للجمال أصل آخر سوى الجرح المتفرد المختلف. وكان أصلان الذي أعرفه يملك جرحه السري، ذلك الجرح الذي سعي به إلى المعرفة، وإلى مجابهة أهوال الحياة والموت. أتذكر أنه كان يقول: ليس المهم انحيازي ككاتب، المهم أن تعين كتابتي الآخرين على تحديد انحيازهم. أبدعأصلان روايته الجميلة وردية ليل بهذا الفهم العميق للكتابة، وكان عندما أنجزها يعتقد أنه أنجز عدداً من القصص القصيرة، وحين تناقشنا في هذا الأمر أقنعته بأنها رواية كاملة الأوصاف تجسد فهمه للاستبعاد، وإزاحة المساحات التي لا تعني شيئاً في اللغة والمشاعر. هي رواية عن الليل، تجسد أحوال نفر من أهل الليل، داخل وردية العمل ويعيشون لحظات للضوء فيها صوت، وهمس الأنفاس له معنى، والاستغراق حالة تشبه غيبوبة الأحلام. في هذه الرواية قدم إبراهيم أصلان اختصاراته، مغامرته فى الكتابة وتجديده لمساحات من السرد، ومساحات من الزمن ليجد هذا العالم المزدحم بالحنايا العامرة بدفء القلوب، والحزن، ومحبة الوطن. عالم يشبه الشعر، ويقبض فيه كاتبه على نبض الأشياء. في فاتحة الرواية يبدأ عبر نشيد نتأمل تلك العيون الكحيلة، المغلقة على الحزن القديم، وذكر ذلك الشيء الصغير الذي لا ينسى، الذي لا يضيع. مرود من العاج، وسداده لمكحلة لها شكل نجمة المساء، كانت أمنا رأفة تكحل عينها بها، وحين رحلت عن الدنيا ضاعت المكحلة ولم يعد باقياً إلا القليل،وحكمه ماضية. جبال الكحل تفنيها المراود نشيد لبقايا أغنية قديمة، يعبر عن إحساس المصريين الأزلي بالفناء، والرحيل. فى فصل عام سعيد للسيدة رحلة للداخل، بحثاً عن مصير داخل هؤلاء الذين ينتظرون تحقيق أمنياتهم المؤجلة باحثين عن عزاء لأرواحهم. الداخل هيئة المواصلات المحتشدة بالكوابيس والليل صوت يتجسد فى الضوء، وهمس الرسائل، ودقات التلغراف العتيق، والرسائل الصاعدة، الهابطة. دنيا تتكدس بأوراقها على درج من رخام. والعم بيومي، شخصية أصلان الأثيرة، وهو خارج إلى تقاعده، مغادراً المصلحة، يذهب للأجنبية الباقية من زمن انتهى، تمضي آخر عمرها في شقة من شقق زمان، وتحلم بخاتمة طيبة. يسلمها العم بيومي رسالة قادمة من بعيد، من آخر الدنيا، والبيت على شارع رمسيس، حيث ألفه آخر الليل. وصمت فيه تتعذب روح الأجنبية بالوحدة والفقد والحرمان. كأن البيوت هجرها أهلها، وقطعة النقد تسقط على السلم فترن في دوران على الرخام فتحيي في القلب الصور والذكريات. يكتب إبراهيم أصلان كتابته بصوت يتردد داخله الفن شيء آخر، هو ما ينجو من الحذف هو ما يستحق البقاء. تأتى الكتابة متتابعة، من عقد من النور، تعيننا وتملأ نفوسنا بالبهجة، وتفجر بداخلنا تياراً من الحنين. حين نقرأ في وردية ليل فصلها الأول فستان النيل تكون عتبة النص قد ألهمتك خبرة اكتساب الجمال، والتعرف إلى الدهشة. رحم الله ذلك المبدع الذي أمضى عمره باحثاً عن ألفة يكنها للإنسان وأحواله.