لم أتوقف يوما عن التحذير من قدوم الجماعات المتطرفة المصابة بداء الطائفية التي تحرض على القتل لمجرد الاختلاف الطائفي، كتبت ذلك منذ سنوات وتساءلت: هل يملك هؤلاء أصحاب النهج الغوغائي حق تحريض وشحن الجماهير للتورط في أعمال عنف؟ هل يحلو لهم العودة بنا إلى العصور الوسطى بتخلفها وهمجيتها؟ وكنت قد طالبت مرارا وتكرارا وزارات التعليم وهيئاته الواسعة المختلفة بإعادة النظر في المناهج الدينية وأهمية مراجعتها وتنقيتها من الشوائب التي تتعارض مع قيم حقوق الإنسان، التي حث عليها ديننا الإسلامي، ومنها الغلو الديني، ووصف الآخر المختلف بأوصاف كالمبتدعة والقبوريين وغيرها، وطالبت كذلك بإسكات المتطرفين من الدعاة الذين يدعون بالهلاك على بعض الفرق الإسلامية المخالفة لهم. ما جرى قبل يومين ضد حسينية بلدة الدالوة في الأحساء العريق، شرق وطننا الغالي، هو عمل إجرامي إرهابي، وخطورته تكمن في كونه سابقة جديدة لمحاولة إطلاق فتنة طائفية دموية في المملكة، والتي راح ضحيتها سبعة أشخاص وإصابة تسعة آخرين. هذه الحادثة الإرهابية ينبغي ألا تمر مرور الكرام باعتبارها حادثة مصحوبة بنكهات طائفية تحريضية مقيتة تبث الكراهية والتمييز ضد مكون من مكونات الوطن. ولقد أحسنت الدولة ممثلة في وزارة الداخلية إذ تعاملت كما ينبغي بسرعة وشفافية وحسم، فكانت الحصيلة أن صرح اللواء منصور التركي، المتحدث باسم الداخلية، بأنه تم القبض على 6 أشخاص ممن لهم علاقة بالجريمة الإرهابية في مناطق متفرقة بالسعودية. وقام محافظ الأحساء الأمير بدر بن جلوي بزيارة تضامنية للمصابين، مؤكدا أن الأحساء ستبقى يدا واحدة. والحق أقولها هنا بكل صراحة: إن أي استراتيجية لمواجهة الإرهاب لن تكون فاعلة ما لم يؤخذ في الحسبان، فن التعامل مع الضلع الإرهابي الثالث وهو الحاضن الاجتماعي للإرهاب، وبعبارة أخرى لا يكفي أن نعاقب المنفذ الصغير ونترك المحرض الكبير، ولأن ذاكرتي ليست مثقوبة لا يمكنني نسيان هاشتاقات الفتنة الطائفية في "تويتر" قبل أشهر التي أطلقها بعض الدعاة والأكاديميين الحاملين لحرف "الدال" في المملكة عبر تغريدات نارية تحريضية ضد المواطنين الذين ينتمون إلى أحد المذاهب الإسلامية.. كنت في الماضي أعتقد أن هؤلاء ليسوا سوى خفافيش ظلام في "تويتر"، يقبعون في كهوف الكره والحقد والشتم والتكفير، ويتخفون بأسماء مستعارة، إلا أنني أدركت الآن أن المسألة باتت أخطر من ذلك بكثير، إذ إن بعض أساتذة الجامعات ينشرون تغريداتهم المشينة بأسمائهم الصريحة، وبشكل متكرر، وهم في واقعهم لا ينشطون إلا في إثارة الفتن والقلاقل، واستهداف السلم والاستقرار المجتمعي وضرب الوحدة الوطنية والاجتماعية، وكل ذلك يتطلب الوأد والإيقاف. وها هي تغريداتهم الآن نزلت للميدان، لهذا السبب لا أتردد مرة أخرى في مطالبة وزارة الداخلية بتشريع قانون يجرم كل من يمارس أي شكل من أشكال العنصرية ضد الآخر، أو ينشر الكراهية في المجتمع، وإذا كانت قوانين العقوبات تشمل نصوصا واضحة وعقوبات ضد من يقوم بالسب أو القذف أو التشهير، فليس من المعقول أن يبقى المحرضون المتلاعبون بالطائفية والمذهبية، ومن يمارسونها في منأى عن أي عقوبة، طلقاء يزعزعون أركان المجتمع من أصوله وجذوره، دون أن يواجهوا أي عقاب يردعهم؟ أخيرا أقول: التطرف والغلو والإرهاب هم أشقاء للكراهية، والكراهية هي أخت التمييز، ومكونات تلك العائلة البغيضة هي الحاضنة للعنصرية التي تنخر جسد المجتمع، وتنسف أمنه واستقراره.