×
محافظة المنطقة الشرقية

الغبار يشل الحياة في النعيرية

صورة الخبر

صدر كتاب يحمل عنوان «البحث العربي ومجتمع المعرفة: نظرة نقدية جديدة»، ويقول الكاتبان ساري حنفي وريغاس أرفانيتس أنه حصيلة بحث متأنٍّ استمر خمس سنوات لفهم ديناميات البحث العلمي والإنتاج المعرفي في الوطن العربي. وعلى رغم أن الكتاب نقدي لشروط إنتاج المعرفة، إلا أنه يختلف عن كثير من الأدبيات التي تشكّل حائط مبكى، مردّدة شروطاً مادية مثل الافتقار إلى أجور مناسبة لأعضاء هيئة التدريس، وعدم توافر المكتبات والمصادر التدريسية اللائقة، واستمرار المناهج الدراسية القديمة، وازدحام الجامعات بعدد ضخم من الطلاب، والافتقار إلى الموارد المالية المخصّصة للأبحاث، والمستوى المتدنّي لتدريس اللغات الأجنبية. فالكاتبان يتناولان أسئلة أكثر شمولية، مثل غياب نظام السياسات العلمية الذي يجب أن تلعب الدولة دوراً رائداً فيه لمعالجة تشتّت الجهود البحثية. ويتناولان أيضاً، ضعف الجماعة العلمية في الدول العربية، فلقد قلّ عدد الجمعيات العلمية وندرت نشاطاتها. هذه النشاطات مهمة، ليس فقط لتحفيز البحث العلمي وتوجيه أجندة الأولويات لكل اختصاص والدفع بالقضايا والتحليل العلمي الى الفضاء العمومي وتشكيل رأي عام محلي، لكن أيضاً لحماية أعضاء الجماعة العلمية من بطش الدولة الديكتاتورية العربية وبطش بعض الجماعات المتطرفة، إن كانت ذات غطاء ديني أم يساري غير ليبرالي. الكتاب مليء بأرقام مهمة لفهم حجم الإنتاج العلمي: فمثلاً، قدّر الباحثان عدد أعضاء هيئة التدريس الكلي في المنطقة العربية بـ180.000، إضافة إلى 30.000 باحث يعملون بدوام كامل في مراكز متخصّصة، وبالتالي فإن الفيلق الأكاديمي - العلمي العامل في البحث والتنمية العربي يمكن تقديره بنحو 210.000 باحث. ولا يزال هؤلاء الباحثون ينتجون 5000 ورقة أكاديمية فقط، الأمر الذي يساوي 24 ورقة لكل 1000 مدرّس جامعي وباحث بدوام كامل. والوضع في المغرب العربي أحسن منه من المشرق. فقد ضاعفت تونس منشوراتها أربع مرات في أقل من عقد (من 540 في العام 2000 إلى 2026 في العام 2008)، محققة حصة مقدارها 2.05 في المئة من منشورات العالم. وكان لدى المغرب اندفاع قوي جداً في الإنتاج من قبل، وذلك بين عامي 1998 و2004. كما خضعت الجزائر لتوسّع حديث وسريع. في المشرق، هناك ازدياد مهم في الإنتاج في كل من الأردن ولبنان والإمارات العربية المتحدة والسعودية. وشهدت مصر نمواً بطيئاً خلال السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، لكنها شهدت موجة من الإنتاج في السنوات الست الأخيرة، ومن الممكن أن يقع السبب في الجهد الجديد لتشجيع البحث الذي يتضمن سياسة للاستثمار في العلوم، كما تمت زيادة الدعم إلى جانب فرص التعاون مع باحثين أجانب. وقد نظر الكاتبان إلى الإنتاج النشري والاقتباسات لكل ورقة، ليس على مستوى البلد، ولكن بتسليط الضوء على بعض الجامعات التي هي معروفة بتفوّقها من حيث النشر في المجلات المحكمة، ولاحظا أهمية الجامعة الأميركية في بيروت، وجامعة القاهرة، وبعض الجامعات السعودية والإماراتية. وفي الواقع، إن جامعات عدة في الوطن العربي ليست جامعات بحثية على رغم ما تزعمه. وتكمن أهمية الكتاب في قسمه الثاني، في تناوله التطور المضطرب للعلوم الاجتماعية في الدول العربية، وتركيز الكاتبين على ترجمة المعرفة الى سياسات ونشر وعي للجماهير لكي تستخدم المعلومات الحسية والامبريقية التي تؤمنها هذه العلوم والاستفادة من المنطق النقدي. ويتأسفان على موت الحياة العامة للأكاديميين العرب، ويخرجان بهذه النتيجة، ليس كما فعل كثر بنقد المثقفين والمفكريين العرب كتصنيف عام مجرد، بل بالتركيز على أساتذة الجامعات. ودرسا بدقة في الفصل التاسع ضعف مشاركتهم في الجدل العام من خلال صفحات الرأي في الجرائد العربية، بخاصة اللبنانية. ولا يتجلى غياب مرئية الإنتاج الأكاديمي في الجدل العام، لكن أيضاً بتأثيره في الجدل الأكاديمي في شكل عام. ففي الفصل الثامن، يستخدم الكاتبان التحليل الببليومتريّ وتحليل المضمون لاستكشاف المعرفة المنتَجة حول الانتفاضات العربيّة، من خلال مقالات منشورة في الدوريّات الأكاديميّة المحكّمة بين عامي 2011 و2012 باللغات العربيّة، الفرنسيّة والإنكليزيّة. وأظهرت النتيجة أنّ غالبيّة المعرفة المتعلّقة بقضيّة اجتماعيّة - سياسة محليّة كالانتفاضات، تم إنتاجها خارج الوطن العربي باللغة الإنكليزيّة. ويعود هذا في شكل أساسيّ إلى هيمنة اللغة الإنكليزيّة في الأبحاث وإنتاج المعرفة المرتبطة بسيادة المؤسسات الأكاديميّة، والمراكز الاستشاريّة، علاوة على معايير النشر الغربيّة في الدوريّات العالميّة، التي لا تبذل سوى القليل من الجهد أو لا جهد على الإطلاق في التكيّف مع اللغات الأجنبيّة. وعلاوة على ذلك، فإنّ المعرفة الضئيلة التي يتم إنتاجها داخل الوطن العربي، وفق الباحثين، تُنتَج باللغة العربيّة من دون أن تُترجَم. وعلى نحو كبير، فإنّ المؤلّفين الذين يكتبون بلغةٍ بعينها، يقتبسون بلغةٍ بعينها. واعتبرا أنّ قضيّة انقسام المعرفة وفق اللغة، تصبح إشكالية في شكل كبير هنا. إنّ هيمنة العلوم السياسيّة إشكاليّة في شكل ملحوظ كذلك، إضافة إلى ضعف المؤلّفين الطرفيين (جغرافياً ونظرياً في آن)، ما يؤدّي إلى إضعاف الجدل والحوار العالميّين بقدر كبير. ومع أخذ افتقار الباحثين العرب إلى الأبحاث، والحواجز اللغويّة، والسجل الفقير للنشر في الدوريّات المهيمنة بالاعتبار، فإنّ من الواضح أنّ كثراً من الباحثين العرب الذين يعملون داخل المؤسسات الوطنيّة العربيّة مختفون فعلياً على النطاق العالميّ، وانّ التحدّي اليوم هو فصل أبحاث العلوم الاجتماعيّة عن سياقها المحليّ، والذي يتوضّح في شكل أكبر عبر هيمنة المصالح النيوليبراليّة والسرديّات المتزامنة للتغيير، علاوة على تهميش المعرفة المحليّة لباحثين عرب كثر يعانون، في آن، من القيود المحليّة والعالميّة الخاصة بإنتاج المعرفة. لكن ما يمكن انتقاده هنا، أن المؤلفين لم يدرسا الجدل حول الانتفاضات العربيّة في الجرائد العربية، حيث هناك دور مهم لبعض المؤلفين العرب مثل فواز طرابلسي وحازم صاغية وغيرهما.