قبل ثلاثة أعوام أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمادها العشرين من شهر مارس في كل عام ليكون يوما عالميا للسعادة، وذلك في إطار تأكيداتها على حق الإنسان في أن يحيا حياة سعيدة. وحين يتطرق الحديث عن السعادة تتقافز إلى أذهان الناس، سواء كانوا من العامة أو من المفكرين والفلاسفة، تساؤلات كثيرة عن مفهوم السعادة وعناصرها وكيفية تحقيقها، ورغم ذلك فإنه ما زال هناك اختلاف كبير حول معنى السعادة وفهم المراد بها، أو الوقوف على تعريف صادق لها، فالسعادة تظل إحساسا غامضا، تحس به نفوسنا لكنها لا تستطيع فهمه أو تحديد كنهه! قبل أيام قرأت عبارة تعرف السعادة بأنها تعني «أن تكون مشغولا إلى حد أن لا تنتبه أنك تعيش». وهي عبارة قد تستوقفك للوهلة الأولى، ترى فيها شيئا من فلسفة تضيء الطريق، أو شيئا من عزاء للمنشغلين كل الوقت. لكنك متى تأملتها جيدا، قد يفجؤك أنها إلى التعبير عن الشقاء أقرب منها إلى السعادة، وأن فيها من الإحساس بالسخط قدرا أكبر مما فيها من الرضا. من يجد سعادته في الهرب من الانتباه إلى أنه يعيش، هو إنسان شقي بعيشه، فالعيش السعيد لا يحتاج أحد إلى الهرب منه بالانغماس في الشغل لجلب الشعور بالسعادة، ومن الواضح أن الشغل هنا يقوم بدور المخدر كي يعطل مناطق الإحساس بما يكتنف العيش من الشقاء. وفي أفضل الأحوال يمكن القول إن الشخص المشغول دائما والمثقل باستمرار بأعباء العمل، إن لم يصبه الاكتئاب والتوتر، يصيبه الإنهاك فما يعود يشعر بسعادة ولا شقاء. وقرأت أيضا في تعريف السعادة أنها تعني: «أن يكون لديك عين ترى الأجمل، وقلب يغفر الأسوأ، وعقل يفكر بالأفضل، وروح يملؤها الأمل». هذه العبارة في فلسفتها تجعل السعادة رهينة بأسلوبك في الاستفادة مما لديك من المعطيات، إن أنت استعملتها فيما يسرك ويضيء حياتك سعدت، وإن أنت وظفتها فيما يجلب الكدر والحزن شقيت. وفي تقديري أنها من خير العبارات التي تعرف السعادة، فهي تجعل السعادة متاحة لكل أحد لكونها تنبع من داخل النفس ونوع النظرة للحياة وأسلوب التعاطي مع ما فيها من شقاء ونكد، السعادة وفق هذا التعريف لا ترتبط بأي عامل آخر يوجد خارج النفس، وإنما هي متوقفة على كيفية الاستفادة من المعطيات الأساسية التي يملكها كل أحد، فكل الناس يشتركون في امتلاك تلك الأربع: العين والقلب والعقل والروح، ولكن كم نسبة الذين يوظفونها بالطريقة التي تجلب لهم السعادة؟