يرى مراقبون أن مشهد تصفيق نواب البرلمان المصري المؤيد لسياسات السلطة لم يعد مقبولا لحسابات داخلية وخارجية لاحت في الأفق، مما حتّم الدفع بكيان جديد يرتدي ثوب المعارضة داخل المجلس. وأعلن خمسون نائبا بالبرلمان المصري الاثنين الماضي تشكيل ائتلاف جديد يواجه ائتلاف دعم مصر الذي يقوده سامح سيف اليزل وكيل جهاز المخابرات السابق، ويدعم السلطة الحالية بأغلبية برلمانية. وأعلن الائتلاف المسمى "25-30"، ويقوده المخرج المعروف بتأييده الكامل للسلطة خالد يوسف، وثيقة بنائه القائمة على الاعتراف بما سماه "ثورتي 25 يناير و30 يونيو" احتراما لدماء شهداء الوطن، وتحقيقا لآمال الشعب التي ثار من أجلها، ومنها العدالة الاجتماعية وتمكين الشباب. صورة لمبنى البرلمان المصري في القاهرة(الجزيرة) غير أنه وفق مراقبين، يبدو أن صراعا ما يدور داخل السلطة أعاد الحسابات البرلمانية؛ فبعد يومين من إعلان وثيقة الائتلاف الجديد، صوّت البرلمان بالموافقة على تعديل مواد بلائحته التشريعية، مما عقد شروط تشكيل الائتلافات البرلمانية، ليتوجب تمثيل الائتلاف الواحد بـ25% من نواب يمثلون 15 محافظة، وهو ما يضع ائتلاف خالد يوسف -الذي لا يمثل نيابيا نسبة 15%- في صف الكيان غير القانوني. خدعة المعارضة واكتفى يوسف بعد تعديل اللائحة البرلمانية بتصريح صحفي أكد فيه مواصلة عمل الائتلاف كتكتل سياسي للدفاع عن العدالة والوقوف ضد ما سماه "مساعي دعم مصر" في الاستحواذ والسيطرة. والائتلاف يعبر عن حالة جديدة يراد لها تصدر المشهد السياسي في مصر خلال المرحلة الحالية، خاصة بعد الخطاب الأخير للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أحدث ردات فعل سلبية أثرت على شعبيته في الشارع، وفق قول المحلل السياسي أسامة الهتيمي. وأوضح الهتيمي للجزيرة نت أن المناخ السياسي العام أوجب البحث عن وسائل لتخفيف حدة الضيق الشعبي، ومنها تمرير كيانات تصبح ملاذا آمنا للتعبير وتفريغ الطاقات، على أن تكون تحت السيطرة. ولتشكيل الائتلاف دلالتان حسب المتحدث: تتعلق أولاهما بالحرص على إظهار مصر بصورة أكثر ديمقراطية أمام العالم في ظل الضعف الشديد لأداء الأحزاب، والأخرى تتعلق بسعي نواب للظهور بدور قوي أمام الناخبين. نواب مصريون داخل البرلمان(الجزيرة) أما تعديل لائحة البرلمان، فله تفسيره عند المحلل السياسي الذي رجح أن الهدف منه هو الحد من تشكيل كيانات ائتلافية معارضة تخرج عن حدود المرسوم. وكانت بداية اعتراض المتحدث باسم حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين، الدكتور أحمد رامي على الائتلاف الجديد تخص وثيقة إعلانه، التي سمت الانقلاب العسكري "ثورة 30 يونيو". وأردف للجزيرة نت "لا توجد إلا ثورة واحدة هي 25 يناير، وأكثر من يعلم ذلك هو من تلاعب بالكاميرات التي صورت يوم الثلاثين من يونيو/حزيران"، في إشارة منه إلى المخرج خالد يوسف الذي كان مسؤولا عن تصوير مشاهد رأسية من مظاهرات الثلاثين من يونيو/حزيران من طائرات تابعة للجيش قبل نحو ثلاث سنوات. الهتيمي: الائتلافات المعارضة وسيلة لتخفيف الاحتقان الشعبي والتنفيس فقط(الجزيرة) صراع نفوذ وذهب رامي إلى الرأي القائل بوجود صراع نفوذ بين أجنحة وأذرع النظام بانت ملامحه في صراع الائتلافات داخل البرلمان. ومنبع هذا الصراع هو عدم الرضا عما تم توزيعه من غنائم في صورة أموال أو مناصب لأجهزة وشخصيات بعينها داخل السلطة، وفق ترجيح المتحدث باسم حزب الحرية والعدالة، موضحا أن ما يدور تحت قبة البرلمان لا يشغل اهتمام المواطن العادي. وطرح رامي تساؤلات بدت له أكثر أهمية من ائتلافات البرلمان، والخاصة بمآلات أزمة سد النهضة الإثيوبي، والمرجح تأثيره السلبي على حصة مصر من مياه نهر النيل، إلى جانب ملف القمع السياسي ضد الشعب، ومصير أموال التأمينات الاجتماعية. بدوره، صنف الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية يسري العزباوي ائتلاف "25-30" ائتلاف مبادئ يقوم على أهداف ما سماه "الثورتين"، وليس معارضا للسلطة. وقال للجزيرة نت إن الكيان التجديد يطمح إلى ضم أعضاء جدد ليس فقط من داخل البرلمان بل من خارجه، كالشخصيات العامة والسياسية غير البرلمانية، مما يعني أنه لا يستهدف الأغلبية البرلمانية لفرض سياسته التشريعية. ورغم ذلك، استبعد العزباوي أن ييأس الائتلاف من تحقيق النسبة المفترضة طبقا للائحة الجديدة، متوقعا أن يعمل بكل قوته لضم 25% من نواب البرلمان ليصبح كيانا قانونيا.