بعد أن كان الاستحقاق الرئاسي اللبناني محطّ اهتمام دبلوماسي دولي ملموس، فإن الأمر بات مختلفا بعد أن شارف الفراغ الرئاسي على دخول عامه الثاني، إذ حلّت مكانه أولويات دوليّة أخرى وفي مقدّمتها معالجة ملفّ النازحين السوريين إلى دول الجوار السوري ولبنان إحداها. هذا الواقع لمسه وفد برلماني لبناني رفيع زار واشنطن أخيرا والتقى مسئولين أميركيين في مجلسي النواب والشيوخ، ولاحظ الوفد أنه لم يسمع سؤالا واحدا عن توقيت انتخاب الرئيس اللبناني، الأمر ذاته حصل مع رئيس المجلس النيابي نبيه برّي الذي زار البرلمان الأوروبي في بروكسيل أخيرا، ولم يسمع سؤالا واحدا من البرلمانيين الأوروبيين عن الانتخابات اللبنانية. هذا الواقع يجعل المسئولين اللبنانيين وفي مقدمتهم بري إلى الاعتقاد مجددا بأنّ حلّ هذا الاستحقاق هو بين أيدي اللبنانيين أنفسهم، وإذا كانت الدول الغربية قد تراجعت عن جعل الملف الرئاسي اللبناني أولوية، فإنه يجب أن يبقى كذلك بالنسبة إلى اللبنانيين وقد تبيّن لهم بالدليل الملموس السلبيات التي تأتت عن غياب رئيس للجمهورية: من ملفّ النفايات، إلى المواقف المتعثرة للبنان في جامعة الدول العربية وفي اجتماع منظمة الدول الإسلامية، إلى البلبلة الحكومية الحاصلة في التعامل مع قرار المملكة العربية السعودية الأخير بوقف المساعدات العسكرية للبنان والحظر على المواطنين السعوديين والخليجيين من القدوم إلى لبنان، وتنسحب هذه البلبلة أيضا على التعامل مع القرار الأخير لمجلس التعاون الخليجي الذي صنّف "حزب الله" ضمن المنظّمات الإرهابيّة. بناء عليه، يقول مصدر سياسي واسع الإطلاع ل"الرياض" بأنّ الجلسات الانتخابية المقبلة، وبما فيها تلك التي حددت في 23 الجاري وتحمل الرقم 37 في عدد جلسات "محاولة انتخاب" رئيس للبنان لن تكون كسابقاتها، وهي ستشبه إلى حدّ بعيد الجلسة الرقم 36 التي حضر فيها للمرة الأولى منذ زمن بعيد 73 نائبا، كان ينبغي أن يكونوا في الواقع 76 نائبا، إلا أن سفر بعضهم أنقص العدد. والمعلوم بأنّ الدورة الأولى في جلسات الانتخاب ينبغي أن تجمع 86 نائبا بين الحضور والاقتراع، أما الثانية ف68 نائبا. بناء عليه يقول المصدر السياسي الواسع الإطلاع بأنه "ينبغي على العماد ميشال عون أن يفهم بأنه لن يستطيع الاستمرار في التشبّث بترشيحه للانتخابات الرئاسية، فهو متشبث بهذا الترشيح منذ سنتين وإذا به يعود مجددا ليواجه 76 نائبا ضدّه، ما يعني أن التوافق حول أسمه أمر مستحيل، وبناء عليه يجدر به الانسحاب من السباق الرئاسي ليفسح المجال للأسماء الأوفر حظّا". ويشير المصدر إلى أنّ أسم زعيم "تيار المردة" سليمان فرنجيّة لا يزال الأقوى لغاية اليوم بالرّغم ما أصابه من انتقادات سواء من فريقه السياسي (8 آذار) أو من خصومه، مشيرا إلى أن رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري لا يزال متشبثا بترشيح فرنجيّة أكثر من أيّ وقت مضى". في هذا الإطار، قالت مصادر نيابية واسعة الإطلاع ل"الرياض" بأنه "أثناء زيارة الوفد النيابي إلى واشنطن قال له النائب الأميركي رالف إبراهام بأنّه إذا سقط لبنان تسقط المنطقة برمّتها، لأنّ لبنان ذي تركيبة مميزة وهو أحد الأحجار الرئيسية للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط".