على رغم الأزمة المستجدة في الأسواق المالية الدولية والأوروبية، على خلفية استمرار انخفاض السعر العالمي للنفط، وتبعات الركود الاقتصادي في الصين، ينتظر الاقتصاديون والخبراء الألمان بقاء اقتصاد بلدهم في حالٍ جيدة خلال هذه السنة. واستندوا في ذلك إلى مؤشرات داخلية إيجابية. كما دعم هذا الاعتقاد تأكيد البنك المركزي الألماني في تقرير شهري، إيجابية الوضع الاقتصادي في البلد، وتوقعه بأن «يحقق في الربع الأول نمواً أقوى من النمو المسجل في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي والبالغ 0.3 في المئة». ورصد الاقتصاديون والخبراء الألمان تطوراً جديداً، تمثّل في عودة دول منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي في الأشهر الأخيرة من عام 2015، إلى زيادة طلباتها على المنتجات الألمانية، ما غطّى إلى حد غير قليل تراجع الطلب عليها من الصين. وأفاد المكتب الاتحادي للإحصاء في فيسبادن، بأن قيمة الصادرات الألمانية حققت رقماً قياسياً بلغ 1.2 تريليون يورو العام الماضي بزيادة 6.4 في المئة عليها عام 2014، في مقابل ارتفاع واردات نسبتها 4.2 في المئة. وبلغ الربح الصافي 2.2 في المئة أو 247.8 بليون يورو. وأفاد مكتب الإحصاء بأن دول الاتحاد الأوروبي استوردت من ألمانيا الجزء الأكبر من صادراتها بقيمة 693.8 بليون يورو. وأبدى مسؤولون في قطاع التجارة الخارجية استمرارهم في التفاؤل لهذه السنة أيضاً، على رغم القلق والتشاؤم من إمكان تحسّن الاقتصاد العالمي. وأعلن مكتب الإحصاء أن اقتصاد ألمانيا نما في الربع الأخير من العام الماضي بنسبة 0.3 في المئة مقارنة بالربع الثالث، مسجلاً نمواً مماثلاً في مقابل 0.4 في المئة لكل من الربعين الأول والثاني. وبذلك بلغ المعدل الوسط العام للنمو 1.7 في المئة على مدى عام 2015، وهو ما توقعه أيضاً معظم معاهد بحوث الاقتصاد في ألمانيا. ومع ذلك، انعكس التوتر الذي اجتاح أسواق الأسهم أخيراً، ومنها بورصة فرانكفورت بفعل ركود الاقتصاد العالمي واستمرار هبوط سعر النفط، على مؤشر النمو العائد لمعهد البحوث الاقتصادية «زد إي في» الصادر أواسط الشهر الجاري في مانهايم، وعكس بوضوح البلبلة التي أصابت الخبراء والمحللين الماليين وزاد مخاوفهم. وانخفض مؤشر الوضع الحالي للنمو في المعهد من 59.7 إلى 52.3 نقطة، وكذلك مؤشر التوقعات المنتظرة من 10.2 إلى 10 نقاط. وأظهر مؤشر «إيفو» المهم لمعهد بحوث الاقتصاد الألماني في ميونيخ بدوره، تراجع ثقة معظم الشركات الألمانية، إذ تدنّى مؤشر التوقعات الراهنة من 107.3 نقطة في كانون الثاني (يناير) الماضي إلى 105.7 نقطة هذا الشهر (شباط)، وللمرة الثالثة على التوالي. أما نظرة الشركات إلى الوضع الحالي لأعمالها فبقيت جيدة، ولو كان القلق زاد في قطاع الصناعة تحديداً. وإلى جانب عامل الصادرات الألمانية التي سجلت مبيعات قياسية جديدة العام الماضي، بدأ يبرز منذ ثلاث سنوات عامل الاستهلاك كمدماك أساس آخر لتعزيز النمو، بفضل الزيادات المتتابعة في أجور العاملين. وتوقع خبراء مؤسسة بحوث السوق في نورنبيرغ «غي إف كا» تنامي الاستهلاك الداخلي من 1.9 في المئة العام الماضي إلى 2 في المئة هذه السنة. بل يعتقد خبراء أن معدل الاستهلاك سيزيد على 2 في المئة هذه السنة، لأن الدولة ستصرف ما لا يقل عن 17 بليون يورو على رعاية اللاجئين ومتطلبات سكنهم واندماجهم في المجتمع. وبلغت حصة الاستهلاك الداخلي 54 في المئة العام الماضي، من الناتج القومي الإجمالي السنوي. وفي وقت توقع الخبير في مؤسسة الاستهلاك فولفغانغ أدلفارت تخصيص استثمارات كبيرة لقطاع البناء السكني لإيواء اللاجئين، ذكر زميله رولف بوركل أن الألمان «يصرفون أيضاً مبالغ كثيرة على رحلاتهم وراحتهم، وكذلك على الطعام والملبس». أما بالنسبة إلى الاستهلاك في دول الاتحاد الأوروبي، فرجحت المؤسسة معدلاً يتراوح بين 1.5 و2 في المئة، عازية تفاؤلها إلى الانفراج الذي ظهر أخيراً في وضع استهلاك سكانها. وأعلن قطاع تجارة التجزئة في البلاد بعد أعياد الميلاد ورأس السنة، عن ارتياحه لحصيلة مبيعاته، موضحاً أن الجزء الأكبر من عروضه «بيع على رغم شكواه من فصل الشتاء الحار نسبياً، ما منع تصريف مزيد من الثياب الشتوية». وارتفع معدل غلاء المعيشة من 0.3 إلى 0.5 في المئة أخيراً، ما اعتبره خبراء تحولاً إيجابياً لا بد من استمراره، ليصل إلى الحدّ المثالي المطلوب من البنك المركزي الأوروبي أي إلى 2 في المئة.