انتقد الباحث السعودي الدكتور أحمد بن محمد الدبيّان في كتابه الأخير الصادر عن دار الحكمة في لندن بعنوان: «ورقات في المواطنة والوطنية» منهج التربية الوطنية في السعودية، واصفاً مادته بأنها «ينقصها بعض الإصلاح في مجموعة من النواحي التربوية والثقافية والوطنية». وفي معرض نقد عام لمادة التربية الوطنية، يرى الدبيان أن أية دولة في العالم إنما تقرر هذه المادة لكي تسهم بها في صنع الشعور الوطني، وتوسيع مجال الثقافة والمعرفة عن الوطن، وبيان ما للمواطن من حقوق وما عليه من واجبات، وتفيده في معرفة ما في وطنه من نظم وما لديه من تحديات ومشكلات ونجاحات في مجالات شتى، وهي بهذا تسهم في معنى الوطنية والشعور الوطني وتقوّيه. إلا أن الدبيان يصف مادة التربية الوطنية في المملكة بأنها لا تصنع المواطنة، لسبب أن المواطنة في أكثر مظاهرها تجلياً هي جانب حقوقي تشريعي، مدني، تقره الدولة في تنظيماتها، ولا بد من أن يسنده بعد ذلك جانب تنفيذي من أجهزة الدولة التي تريد تحقيق المواطنة. ويتابع الباحث السعودي الذي يشغل منصب المدير العام للمركز الإسلامي في لندن، أن مادة «التربية الوطنية» لا تعدو كونها تساعد في التثقيف عن الوطن، فهي لا تحظى بوقت كافٍ من الجدول الدراسي، لأنها درس وحيد في الأسبوع، وذلك - بحسب الكاتب - لا يكفي لتحقيق أهداف المواطنة الكثيرة، وبهذا فإن الكاتب يميل إلى إعادة النظر في موضوع المواطنة والوطنية، لكيلا يقتصر على مادة التربية الوطنية، وأن من الأفضل إعادة توزيع مفاهيم المواطنة والوطنية، وزرعها في البناء الثقافي للطفل والطالب من خلال مناهج المواد الدراسية الأخرى، فهناك مواد كثيرة تحتمل قيم المواطنة والوطنية ومفرداتهما، مثل العلوم الدينية والتاريخ وغيرهما. ويتطرق المؤلف بعد ذلك إلى قصور المعلمين المكلفين بتعليم هذه المادة، واصفاً إياهم بأنهم في حاجة إلى تدريب سابق في مواضيع المواطنة والوطنية ومفاهيمها ومجالاتها، وعلاقة المواطن بالوطن، وغير ذلك من الرؤى الفكرية التي لا بد من أن تقدم لطالب المرحلة الثانوية بخاصة. ويروي الدبيان في بحثه كيف أنه لاحظ من حديثه مع بعض المسؤولين والمدرسين أن تفكيرهم دائماً يتوجه نحو الوطنية لا المواطنة، ويخلطون بين الوطنية والمواطنة خلطاً غريباً، من المؤكد أنه سيضعف تدريس المادة، حتى لو توافر لها المنهج التام! وينقل الدبيان شهادة بعض الباحثين الذين استنتجوا أن مادة التربية الوطنية غير واضحة لدى كثير من المعلمين، خصوصاً بعض الأهداف ذات البعد الثقافي الاجتماعي والاقتصادي، وأن المعلمين عبّروا عن قلة تدريبهم وحاجتهم إلى دورات في جميع جوانب مادة التربية الوطنية لتأهيلهم بطريقة مناسبة، وأنه توجد لدى المعلمين صعوبات في الاطلاع على الوسائل والنشاطات المناسبة للمادة وكيفية الاستفادة منها. وفي ختام بحثه يتحدث الدبيان عن مشكلات جديدة تنشأ في المواطنة بما ترتبط به من هوية وانتهاء وولاء، وأن بعض تلك المشكلات لها جوانب معقدة في التكوينات الفكرية لدى الشباب المسلم في العالم الغربي، حيث تعيش أقليات إسلامية حصلت بالطرق النظامية على حق المعيشة، وعلى جنسيات الدول التي تعيش فيها، وحصلت على كثير من الحقوق التي لم يتحقق كثير منها في بلدان العالم العربي والإسلامي، ولكنها مع تطور الحياة وبدء الجيل الثاني والثالث بل الرابع أحياناً، ومع ما صار في العالم من تغيرات فكرية وما حدث من تقدم سريع خاطف للإسلام في العالم الغربي ووصوله إلى عمق المجتمعات الغربية، وما صار في الغرب من رد فعل وأحداث سياسية عالمية ذات تأثير في العالم الإسلامي... مع هذا كله نتج لدى هذه الأجيال أنموذج جديد ووجه جديد من إشكالية المواطنة المخالفة لإشكالياتها في البلدان العربية المختلفة عنها، وهي مواطنة جديدة تحصل على الحقوق ولكنها تفتقر إلى الهوية والانتماء، وبدأ شباب هذه الأقليات الإسلامية يواجهون مشكلة ترتبط أكثر شيء بالهوية والانتماء، هل ينتمون إلى تلك المجتمعات؟ وهذا ما أدركته بعض الحكومات الغربية مثل ألمانيا وأميركا، وراحت تحاول ابتكار برامج لإدماج هذه الفئات في الوسط المحيط بها، وتحقيق تفاعلها وتنمية مواطنتها في بلادها الجديدة. يؤكد الدبيان أن أصل كتابه كان ورقة أعدها بعنوان: «معوقات مفهوم المواطنة لدى الشباب، والتحديات القائمة». وكانت الورقة المذكورة - بحسب الدبيان - قدّمت وقرئت في المؤتمر الدولي لقيم المواطنة وتحالف الحضارات الذي عقد في مقر منظمة الإيسيسكو في الرباط عام 2012. وأشار الدبيان إلى أن ورقة أخرى أسهمت في ظهور كتابه الأخير وكانت بعنوان: «من قضايا التربية والمواطنة». وعلى إثر استشعار المؤلف أهمية الموضوع، ورؤيته أنه مرتبط بمستقبل الوطن والنشء الجديد وأحوال البلاد العربية عموماً، وجد الدبيان أن من الخير أن يتوسّع في الموضوع شيئاً ما، مستهدفاً بذلك مناقشة مجموعة من المفهومات والرؤى والمعالجات الفكرية المرتبط بها الموضوع، مما يرى أنه يمس حياة الناس والجوانب الإدارية والتنظيمية والاجتماعية والتعليمية التربوية، مع التركيز على نموذج العالم العربي عموماً ودول الخليج خصوصاً. يقول الدبيان: «حرصت على أن أولي وطني الأول السعودية اهتماماً خاصاً، فأدخلت في هذا الكتاب ورقات كنت سودتها عن مناهج وكتب التربية الوطنية في المدارس قبل مدة، ولم تسعفني الظروف في تبييضها، ثم سعدت بعد ذلك مصادفة بالاطلاع على بحث الدكتور راشد العبدالكريم وصالح النصار بعنوان: «التربية الوطنية في مدارس المملكة العربية السعودية، دراسة تحليلية مقارنة في ضوء التوجهات التربوية الحديثة، وهي دراسة تكمن قيمتها في أنها قارنت هذه الكتب المدرسة في السعودية بكتب التربية الوطنية البريطانية في المرحلة نفسها، واستفدت منها كثيراً». يذكر أن أحمد الدبيان مؤلف سعودي حصل على درجة الماجستير في فقه اللغة العربية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، ودرجة الدكتوراه من جامعة بوخوم في ألمانيا في فقه اللغة والدراسات الإسلامية والدراسات الإنكليزية. له عدد من الدراسات اللغوية حول اللغة العربية وحركة الترجمة بين الإغريقية والعربية واللغويات التقابلية، وعدد من البحوث العلمية والفكرية والإسلامية وقضايا الحوار بين أتباع الأديان والتعايش وتطوير المؤسسات الإسلامية في مجتمع الجاليات والأقليات في الغرب. كما قدم عدداً من المحاضرات والأوراق العلمية في الجامعات والمؤتمرات الدولية. وهو المدير العام للمركز الثقافي الإسلامي في لندن، كما يترأس تحرير مجلة Islamic Quarterly الصادرة باللغة الإنكليزية، وعضو مجلس الخبراء الأعلى للتربية والثقافة والعلوم في منظمة الإيسيسكو.