×
محافظة المنطقة الشرقية

«مازيراتي» تطلق «ليڤانتي»: أول سيارة رياضية متعددة الاستعمالات - سيارات

صورة الخبر

كان ممكناً أو متوقعاً أن تحوّل المعاهدة الأردنية الإسرائيلية، التي عُرفت بـ «وادي عربة» (1994)، انتهاء حالة الحرب مكاسب وفرصاً اقتصادية وتنموية. فإسرائيل، البلد الذي تحول بلداً غير معادٍ للأردن، يدير في إقليم جغرافي هو نفسه إقليم الأردن، اقتصاداً متقدماً يحقق مستوى مرتفعاً جداً في التنمية البشرية، حيث حصلت إسرائيل على المرتبة 18 في سلم التنمية، وبقيمة 0.892، وتوفر لمواطنيها مستوى في الدخل بمعدل يزيد على 38 ألف دولار للفرد، كما طورت اقتصاداً زراعياً وتقنياً متقدماً، واستطاعت أن تواجه أزمة المياه بتقنيات لتحلية مياه البحر بتكلفة معقولة. وهي حالة تهم الأردن كثيراً، وتتيح له (ربما) اقتباس التجربة وتدريب وتطوير كفاءة المزارعين والمهندسين الأردنيين. لكن المعاهدة لم تنشئ بعد تطوراً في العلاقات الاقتصادية أو أسواقاً جديدة مشتركة أو شراكات في منطقة واحدة في الزراعة والتقنية وتحلية المياه، ولم يزد حجم التبادل التجاري بين البلدين على مائة مليون دولار، أي أقل من مكافأة مدير واحد في غوغل، وهو ما لا يساوي شيئاً بالنسبة إلى الاقتصاد الإسرائيلي الذي يدير صادرات بأكثر من 65 بليون دولار وواردات بأكثر من 70 بليوناً. فالأردن الذي مني بهزيمة عسكرية عام 1967 وأزمات إقليمية محيطة جعلت نسبة اللاجئين فيه تقترب من 70 في المائة من عدد سكانه، ابتلي أيضاً باتجاهات سياسية غرائبية تعمل ضد الذات على نحو محير، وجعلت العمل في إسرائيل والتصدير إليها والاستيراد منها والتعاون التدريبي والتقني معها، أمراً مرفوضاً أو عمليات اقتصادية محدودة وخجولة لم تقدر على مواجهة الصوت المرتفع والشعور بالعار. العمل في إسرائيل والعلاقات الاقتصادية بين الأردن وإسرائيل مسألة تحسب واقعياً واقتصادياً، وليست متعلقة بالموقف من الاحتلال تأييداً أو معارضة. والمواطنون الذين يعملون في إسرائيل يبحثون عن العمل لأجل كرامتهم، خاصة أن نسبة البطالة مرتفعة جداً، فلماذا يجرّم أردنيون يعملون في مؤسسات اقتصادية في إسرائيل ولا يتحدث أحد عن الذين بنوا المستوطنات الإسرائيلية أو أعضاء الكنيست والبلديات، بل إن العمل في إسرائيل كان يطرح في وسائل الإعلام بأنه حق وطني فلسطيني. وإذا كانت حسابات واقعية تجعل ذلك مقبولاً فلماذا لا تحسب المسألة في الأردن بواقعية؟ العمل في إسرائيل ليس خيانة والامتناع عنه ليس وطنية، وليس تنازلاً عن الحق في استعادة الأوطان ولا هو ضد مقاومة الاحتلال، والامتناع عنه ليس مقاومة. فالدول المتحاربة والمتعادية يمكن أن تدير علاقات اقتصادية، والدول الصديقة يمكن أن تمتنع عن ذلك. المسألة مسألة مصالح وطنية وليست حرباً ولا انتصاراً ولا هزيمة... وعلى أي حال فإن المعاهدة الأردنية الإسرائيلية تمت بموافقة برلمان منتخب، وإلى حين يغير البرلمان موقفه، فإن المسألة تبقى جدلاً سياسياً وبرلمانياً وليس أكثر من ذلك، ويمكن معارضي العلاقة الاقتصادية والسياسية مع إسرائيل أن يعملوا في اتجاه التأثير على البرلمان، والانتخابات النيابية تتكرر بانتظام، ويمكنهم أن يؤثروا في نتيجة الانتخابات على النحو الذي يمكّنهم من إلغاء المعاهدة، وأما إذا كان الناخبون لا يؤيدون ذلك، فالمسألة إذن متعلقة بالخلاف بين أغلبية شعبية ونيابية وأقلية معارضة. وفي جميع الأحوال فإن الامتناع عن توظيف المعاهدة اقتصادياً والاستفادة من فرصها يشكل هزيمة اقتصادية مضافة إلى الهزيمة العسكرية، بل إن من الخيانة أن تفرط حكومة في مصالح وفرص اقتصادية لدولتها ومواطنيها. لسنا منتصرين ولا قوة اقتصادية وعسكرية تسمح بمواقف يمكن أن تؤثر على إسرائيل أو تضر بها، وعندما نكون قادرين على ذلك تتغير الأمور تلقائياً من غير بطولات. ولكن في حالة الهزيمة والضعف التي نمر بها فلا أقل من أن نجني فوائد اقتصادية، فالاقتصاد الضعيف لا يسمح أبداً بمقاومة، والفقراء والعاطلون عن العمل لا يمكنهم أبداً أن يخوضوا معارك للمقاومة والتحرير. وفي جميع الأحوال، فإن الصراع الأردني الإسرائيلي لم يعد وارداً، فقد انتهت الحرب الإسرائيلية الأردنية وانتهى الصراع بين الأردن وفلسطين. ولم يعد ممكناً ولا متقبلاً أن يحمل الأردن لواء القضية الفلسطينية، فهي قضية لها أصحابها ولديهم سلطة وطنية وسفارات في العالم ومكاتب تمثيل لا تقل عن الأردن، ولديهم قيادة سياسية منتخبة، وهم أولياء على قضيتهم، ولا يملك الأردن والأردنيون وصاية عليهم، ولا تجوز المزايدة عليهم، وليس مطلوباً أيضاً التضحية أكثر منهم.     * كاتب أردني