منذ عدّة سنين مضت، لكنها ما زالت ماثلةً في القلب، كان المغفور له المؤسس، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، يتحدث في مقابلةٍ عفوية من نافذة سيارته، ويُطلق كلمةً بقي صداها، وسيبقى ما أشرق نهار وغاب ليل: الرجال هي اللي تصنع المصانع، والرجال هي اللي تصنع سعادتها، والرجال هي اللي تصنع حاضرها ومستقبلها. فلا معنى لكيانٍ دون مادته البشرية، ولا قيمة لأرضٍ إن لم يرفع لواءها أبناؤها الرجال، ولا يمكن للحاضر أن يتغيّر، أو للمستقبل أن يكون أجمل، دون همّة الرجال ووقفتهم، كما يجدر بالرجال أن يقفوا! تلك الحقيقة شاطر والدَنا رحمه الله فيها، الرئيسُ الأميركي الأسبق هاري ترومان، عندما قال: الرجال يصنعون التاريخ وليس العكس، عندما يغيب القادة تتوقف المجتمعات، والتقدّم لا يحصل إلا عندما يتصدر المشهد قائد شجاع موهوب لتغيير الأمور للأفضل. وتلك أيضاً حقيقة يؤكدها التاريخ، أن القادة الأفذاذ هم من يُغيّرون تفاصيل المشهد، ويعيدون غربلة الأمور، حتى تصب كلها في مصبها الصحيح، فلم يسبق لوطنٍ أن علا شأنه دون وجود قائد مُلهَم، يستطيع أن يُجيّش بإلهامه ومصداقيته لا سُلطاته، أفئدةَ وعقولَ أبنائه قبل سواعدهم، حتى يكونوا شركاءه في رحلة التفوّق وبناء وطن يفخر به جيرانه بجوارهم له، لا أبناؤه فقط، لا أذهب بعيداً عندما أقول بثقة: كإمارات الخير، حفظها الله وأعزّها! توقف الأمور لمّا توصَل بيت الشَعَر، هكذا قالها الملهم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وهو يتحدث لأبنائه المنتسبين للخدمة الوطنية، فنحن شعبٌ راقٍ، وطِيب المعشر ودماثة الخلق هي مما عُرِفَ عن ابن الإمارات. لكن عندما تصل الأمور لـ بيت الشعر والمساس بالأرض والعرض، فحينها لن يجد ذاك المتعدّي منّا سوى لغة النار والبارود، فلا مجال للتفريط بالوطن، ولا خيار للرجال سوى حمايته، فهو فرض، كما شدّد على ذلك بو خالد بنبرته الصريحة. وهو يقف عندها حتى تترسّخ في الأسماع والأذهان، وحتى لا تختلط علينا المفاهيم، فعندما يتعلق الأمر بالمبادئ والضروريات، فلا مجال لأنصاف الحلول، تماماً كما أُثِر عن المفكر أرنولد غلاسو، عندما قال: عندما يتعلق الأمر بالأساليب، تحرّك مع التيار، لكن قف كالصخرة، عندما يتعلق الأمر بالمبادئ! نحن دولة سلام، كما بدأ ذلك بو خالد بقوله: الله يحفظ الإمارات وأهلها بالعز والأمان والتوفيق دائماً، فلطالما مدّت الإمارات كفوف الخير لمن حولها، ولطالما سعت في إصلاح ذات البين بين الأشقاء، ولئن كانت الدول تشن الحروب من أجل مكاسب وأطماع ومصالح. فإن إمارات الخير وإمارات المواقف، لم تدخل حرباً إلا رَدّاً لمجرم صائل، أو نُصرةً لضعيف، أو إغاثةً لمستنجدٍ بها من بنادق الغادرين وخناجرهم الآثمة، بعد أن عَزَّ النصير وانعدم المنجد، فكانت الإمارات مع شقيقتها السعودية عند حُسنٍ ظن المحتاج، وعقبةً كؤوداً أمام عصابات الغدر وفيالق الإجرام. ونحن دولة لا تريد مكاسبَ آنيةٍ بأي شكل، كبعض الدول المسعورة في محيطنا، بل نبحث ونعمل على ديمومة الخير والنمو، حتى يتصل ذلك لمن بعدنا، كما عبّر عن ذلك بو خالد في كلمته الارتجالية، بقوله: نريد أن يبقى الوطن عزيزاً قوياً للأجيال القادمة. وشدّد على ذلك من جديد، عندما قال: نريد أحفادنا والأجيال القادمة، أن تفتخر بهذا التاريخ اللي نرد فيه الخبر طيّب ونرفع فيه الراية، كيف نرد الخبر طيّب يا أبا خالد؟ بأنْ نحافظ على وطننا بسمعة طيبة، ونسوّقه بسمعة طيبة، وندافع عنه بكل ما نملك. فالسمعة الحسنة هي رأسمال الأوطان والإنسان أيضاً، والحفاظ عليها مطلب رئيس، فلا فائدة في تنمية دون سُمعةٍ حسنة، ولا خير في إنسان مشهور إلا بطيب السيرة، ولا يرد الخبر طيّب، فالخلق الراقي هو عماد الحضارات، والمواطن الغيور على بلده، سيخشى على سمعتها، كما يخشى على حدودها أن يمسها طامع. إن القائد الفذ، هو من يستطيع أن يستشف نوع الأمر المقلق أو المربك الذي يلوح في الأفق، قبل أن يتحوّل لمشكلةٍ معقدة، وذلك ما أراد سموّه إيصاله، من خلال الإشادة بدور أبطالنا في اليمن، الذين يحمون الدار ويحمون الصديق. فالشر الذي غدر باليمن، كان لا بد من وأده هناك قبل أن نصحو لنجده في ديارنا، فدرء المفاسد وكبت الشر في بداياته، أمرٌ لا يجوز المماطلة فيه، والرد عليه بحزمٍ مُهمٌ، لأننا كما قال بو خالد: نريد نرسل رسالة للطامع في الدولة الغنية أننا بنقوم بواجبنا في الدفاع عن بلادنا. وارتفعت نبرة سموه وهو يقول:لا تستهينوا بإرادة الرجال، الدول ليست بحجمها أو تعداد سُكّانها، ولكن بإرادة رجالها، فحيثما كانت الإرادة صادقة وعالية، كان بالإمكان أن يتجاوز الإنسان حدود قدراته، وذلك لا يحدث إلا بقيادة ملهمة، فكما يذكر بيتر دراكر عرّاب الإدارة: القيادة تنقل رؤية الأتباع لآفاقٍ أبعد، وترفع أداءهم لمستوياتٍ أعلى، وتبني شخصياتهم لما فوق حدودهم الطبيعية. عندما يقف القائد أمام أبنائه ويقول لهم أنتم صمّام الأمان لهذا البلد والاستثمار الحقيقي له، فلا أظن قد تبقّى في المعجم كثيرُ كلماتٍ لوصف هذا المشهد وهذا التقدير، ولئن كان ترومان قد وافق تعبيراً مقولة والدنا زايد رحمه الله، ورؤية بو خالد حفظه الله، من أنّ الرجال وإرادتهم، هي ما تخلق الفارق وتصنع التاريخ. إلا أنّ الفارق أن زايد وبو خالد، أغاثا الملهوف، ونصرا الضعيف، ونثرا الخير يمنةً ويسرة، بينما أمر هاري ترومان في أول قرار له بعد توليه الرئاسة، بإسقاط قنبلتين ذريتين على مئات الآلاف من الأبرياء النائمين في ناغازاكي وهيروشيما، فأبادهم عن بكرة أبيهم، ذلك يا سادة، هو الفارق بين قادتنا وقادتهم!